تملؤنا المرارة ونحن ساكتين ، فالأجساد العراقية تقطعها السيوف والسكاكين، ونحن نرى ونشهد. نشهد على أنفسنا وأجسادنا، ولا نسعى الا ان نكون شهودا حقيقيين على زمن يختلط به كل شيء، لا يبقى لنا من مرجع او سلطة نعود اليها لحمل شكوانا.
فحين يكون الشعب هو الضحية، يصبح الشهود ضحايا، وتغلق جميع الأفواه الإعلامية، ليتم إذلال الناس ، فبعد ان ضحوا بخبزهم، أصبح دمهم مطلوبا لأنهم من الكفرة أهل الذمة، يتم تركيعهم للبدء بضرب أعناقهم بسيوف الجماعات الظلامية المسعورة.
احد هؤلاء الكفرة الجدد، الشاب المندائي سلمان عبد الله الناصر الذي رحّله الذبح المجاني الإسلامي عن 20 ربيعا، حين نادى عليه احد حماة الأمة الإسلامية وناصريها ليكوم أحشائه بسكينه بلحظة واحدة أمام بيته، لا لسبب، بل لأنه أولا مندائي، وثانيا لأنه احد أبناء مدينة الفلوجة ، التي أصبحت تتكأ على تاريخ لا يمتلك غير حوار الدم. مدينة يزيد كل يوم اندفاعها نحو الخراب، المدافع لا تتوقف، والصواريخ لا تتوقف، والطائرات المغيرة التي تخلط دماء القتلة والأبرياء لا تتوقف، وكوابيس القتل الليلية لا تتوقف .
كل ما يحدث في شوارعها المهجورة، يصبح كالنوادر والمصادفات والصفقات العجيبة، فليس هناك مقدرة على المواجهة العادلة، القتل في هذه المدينة، هو سيد الموقف، وهو أكثر بكثير مما تقوله وتدعيه وتعلن عنه أجهزة إعلام العروبة وفضائياتها.فقد امتد منطق الذبح والإرهاب الى دقائق وتفاصيل الحياة الصغيرة ، واكتسب تكامله وشموليته خلال سنة كاملة ليجر الى مطحنته المئات، بعد ان تداخلت الحرب والقمع الداخلي حتى غاب الفاصل بينهما.
مدينة الفلوجة التي تعيش الآن حرب من خارجها وحرب بداخلها، لم تكن طيلة تاريخها ، مغلقة على جماعات المذهب السني ، قبل ان يغزوها أمراء الإرهاب والفكر التفكيري، ليطلقوا عليها اسم" إمارة الفلوجة الأصولية" كانت بها أيضا مجموعات كبيرة من أبناء المذهب الشيعي وطوائف دينية أخرى، مسيحية ومندائية ، الا ان سياسة حافة الخوف، والذبح، وسمل العيون، وسلخ الجلود، التي اتبعتها العناصر الشريرة ،التي تتبرقع بالإسلام والوافدة من الخارج، أدت الى تهجير الرافضين والكفرة والمشركين، وهرب الكثير ممن كان يعيش بسلام وأمان.
تحجم أجهزة الإعلام العروبية المنافقة التي تحاول صب الزيت على الحرائق، عن ذكر ما تقوم به فرق فرض الدين الإسلامي قسرا على أصحاب الديانات الأخرى، الذي تقوم به عصابات الذبح الإسلامي الحلال، من خلال إطلاق فتاويها، وهي تتجاهل عن عمد ما يقال عن الاستباحات الشنيعة لمصائر الناس ، والاعتقالات والمحاكمات الإسلامية ، واختفاء العديد من شبابها المريب في أحيائها ممن يرفضون المشاركة بحروب قادة الموت ، وممن لا يدفع الجزية من أبناء المندائيين الذين أصروا على البقاء فيها. ليس للكتابات العربية القومية، اي شان بالذبح المجاني الذي يطال أبناء العراق، ما دامت هناك معايير مزدوجة في التعامل مع عمليات القتل والذبح والاختطاف واغتصاب النساء، انهم معنيون فقط على المخطوفين الغربيين، والدفاع عن الأمة وشرفها وحضارتها وصمودها، اما ما يقوم به فقهاء وأمراء الدم الذين يحكمون الناس بعيدا عن كل ما اسمه سلطة البلاد وشرعيتها وعدالتها ، ووجدوا في العراق مرتعا لهم للقتل والتخريب تحت لافتة مقاومة الأمريكان، فالقبضة الإسلامية الحديدية بالنسبة لهؤلاء، هي نوع من الاستحقاق والعدل والحق .
كل هذا يعطي هذه المدينة التي كانت يوما ما وادعة، مكانا متميزا ، فقد أصبحت عن حق واحة للمتعطشين للذبح البشري. كل شيء يذوب فيها، مصير الناس والقانون والأسئلة التي تربك نوم أمرائها الإسلاميين.
لا احد يستطيع دخولها، ولا احد قادر على الإقامة فيها بروح المواطنة التي عهدتها منذ زمن طويل، فهي مكان لاختلاطات غريبة، يتداخل فيها الركود بالاضطراب، انها مدينة المزورين والدائخين والمدافعين عن حرمة العروبة والاسلام الذين وجدوا فيها مرتعا للقتل والتخريب ، أصبحت مكان للتمرن على الإنهاك والانتهاك، فهي قادرة على قتل حتى أبنائها ماداموا كفرة من أهل الذمة من ديانات أخرى يحتلون بعرف امرائها الجدد، المرتبة العاشرة في سلم المواطنة. عاد البشر فيها الى عهود البرابرة لتتصاعد موجة التخريب والعنف والقتل والاغتصاب ليطيل العشرات من المندائيين.
ريمون فاروق وفارس موفق في الموصل وسلمان عبد الله وحميد مجيد ووليد شهك وعشرات غيرهم حصدتهم سكاكين المؤمنين في بغداد والموصل والفلوجة والعمارة ،لم يثر ذبحهم مثل الخراف وأمام بيوتهم اهتمام إعلام العروبة والعالم لأنهم من أهل الكتاب، أي من أهل الذمة الذين بدأوا بدفع الجزية في أرياف العمارة وقلعة صالح والعديد من أحياء العاصمة للمافيات الإسلامية الجديدة القادمة من وراء الحدود، من إيران وأفغانستان والشيشان وفلسطين المحتلة ولبنان ومصر وسوريا والأردن والسعودية واليمن، الى آخر القائمة.
هل يمكن تبرأ هذه الجماعات من فعلها الذي يتبرقع بالدين الإسلامي المتسامح ؟ أليس هو الدين نفسه الذي يؤكد على حق الإنسان في ان يعيش آمنا على نفسه وأهله وحقه في حرمة شؤونه الخاصة في مسكنه وأسرته وعلاقاته؟ أليس هو الدين الذي يقول" ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون.. البقرة- 62" فأين يا ترى حقوق أبناء الذمة، وهل يتم ذبحهم واغتصاب بناتهم تحت واجهة الشريعة والقوانين على ضوء القرآن الكريم والآيات والسور؟ الخطاب الإلهي يحقق المساواة في التعامل مع بني البشر حيث ان جميع الناس متساون أمام قانون الله، ام أنكم قد نسيتم دينكم أيها الكفرة.
المسيحيون والمندائيون أهل البلاد يهربون من ديارهم الأصلية نتيجة ضغوط مورست وتمارس عليهم ، والصمت يسود الدولة العراقية ولا نعرف متى نخرج منه.
لا نريد مناصبة العداء لأحد في السلطة العراقية، الا اننا نشعر بالأسف من عدم تجاوب مؤسسات المسؤولة مع محنتا في داخل الوطن، لقد أصبحنا في الداخل والخارج نملك يأسا كبيرا، فكيف نمسك عن الكلام وأبنائنا وبناتنا يتهاون الواحد بعد الآخر، وهم يخوضون إحدى أشرس المعارك، من اجل وجودهم، ولا احد يستشيرهم او يستشيرنا، بعد إهمال وتهميش بمصائب الموت المجاني، وحالة الخوف والتوجس التي انزرعت في أعماقنا ولم يتوفر لنا منذ نعومة إظفارنا وحتى هذا اليوم غير الخوف وعدم الأمان.

انقر على ما يهمك:
عالم الأدب
الفن السابع
المسرح
شعر
قص

ملف قصيدة النثر
مكتبة إيلاف