عندما يتظاهر أطفال العراق في ساحة الفردوس البغدادية من أجل المطالبة بالإفراج عن صديقتيهم الرهينتين الإيطاليتين سيمونا تورتريتا وسيمونا باري، تأكدوا من أن صياحهم قد لاقى الأذن الصاغية عند ساكن الفردوس الإلهي الأعلى.

وعندما تمسك الأمهات بأيدي أطفالهن الصغار غير عابئات بالخطر الذي قد يتعرضن له، ويهتفن بأعلى أصواتهن: أطلقوا سراح عاملتين إنسانيتين جاءتا العراق من أجل مساعدة أطفالنا المساكين، تأكدوا من أن مريم العذراء قد أمسكت بيد يسوع، وفاطمة الزهراء قد أمسكت بيد زينب، وأن جميع الأنبياء قد تضامنوا مع الأطفال، وسكبوا اللعنة على مضطهديهم.

لقد حاولت (السيمونتان) الإيطاليتان بناء (جسر إلى بغداد)، لتحوّلا صيفها الدامي الحار إلى (صيف حلو)، فإذا بالأيدي الشريرة تهدم الجسر، وتنهي الصيف بفاجعة أصابت أطفال العراق في الصميم.
لا لن يرضى العراقيون الصغار باختطاف صديقتيهم من بين أحضانهم دون أن يحرّكوا ساكناً، فها هم يتظاهرون، وها هم يستدرون عطف أطفال الكون أجمع، وها هم ينتصرون ببطولتهم الإسلامية المحبة للسلام، على جبن من يأخذ الإسلام ذريعة وهو أبعد ما يكون عنه وعن تطلعات وأحلام بنيه.

إذا كان برلسكوني، ساكن قصر (كيجي)، قد أرسل جيشاً إلى العراق، فما ذنب تورتريتا وباري ساكنتا الخيم والمخيمات الإنسانية؟. ما ذنبهما وهما على خلاف سياسي شديد معه، كونهما ضد الحروب، وضد القتل والدمار؟.. ومع ذلك وقعتا ضحية حقد الإرهاب الأعمى المعادي لكل ما هو إنساني.

حسنة الإرهاب الوحيدة أنها بدأت توحّد بين الحكام ومعارضيهم في الدول التي تتعرض لإرهابهم، وهذه آفة كبرى بالعرف الديموقراطي، كون المعارضة وجدت أصلاً لمحاربة الحكومة وكشف ألاعيبها بغية إسقاطها، لذلك من المستحسن، لا بل من المفروض أن لا تتوحّدا.. وها هي المعارضة الإيطالية التي ترفض إرسال جيوش إلى العراق قد نددت بالإرهاب وعرضت المساعدة على غريمها الحاكم برلسكوني، ومن يدري، فقد تشكل معه جبهة موحدة ضد الإرهاب. وهذا ما حصل مؤخراً في أستراليا بعد ضرب السفارة الأسترالية في جاكرتا، فلقد اجتمعت الحكومة والمعارضة في خندق واحد، وتناسى الطرفان الحملات الانتخابية الحامية، والتنافس على الفوز بالحكم، بغية محاربة الإرهاب والتصدي له.
فإذا كان (أنصار أيمن الظواهري) حقاً أنصاراً له، وجب عليهم احترام شهادة الطب التي يحملها، والتي تدعو للرحمة، ولتطبيب العدو قبل الصديق، فكم بالحري هؤلاء الأطفال الذين حرموا من ملاكين يبلسمان جراح أفئدتهم اليافعة، فراحوا يهتفون لإطلاق سراحهما في بلد أضاع حاسة السمع، وانطبق عليه المثل القائل: لا حياة لمن تنادي.

الوفود الإيطالية التي أرسلها برلسكوني إلى مصر ولبنان والأردن واليمن وسوريا لن تجدي نفعاً، ولن تطلق سراح هاتين الفتاتين، بل قد تزيد مأساتهما تعقيداً، لأن لا أحد من الخاطفين سيصغي لحكام تلك الدول المستهدفة أيضاً. وحدهم أطفال العراق، متى تحرّكوا بالآلاف، كما تحرّكوا في ساحة الفردوس، قادرون على تغيير وجه عراقهم الغالي، وإطلاق سراحه وسراح أصدقائهم من اعتقالهم القسري، لأنهم مستقبله الزاهي، من بين أصابعهم ستشرق شمس حريته، وعلى أكفهم ستتراقص حوريات فردوسه، وعلى مسامعهم ستغني بلابله ألحانها الجميلة، فإذا لم يستجب لصرختهم الخاطفون فلصراخ من سيستجيبون؟

صرخة أطفال العراق بمليون صرخة، فمن له أذنان سامعتان فليسمع.

[email protected]