قبل أيام انعقد في الرياض مؤتمر محاربة الإرهاب وكان المؤتمرون يأملون أن يضعوا حداً للإرهاب الذي عم العالم الإسلامي وتخطاه إلى أوربا وأمريكا وشرق آسيا. وقد أنحى أغلب المشاركين باللوم على فقهاء الفتاوى الذين أفسدوا عقول الشباب بفتاوى التكفير والجهاد. وما كاد مؤتمر الرياض ينفض حتى قام سبعون من رجال الدين السعوديين بتكفير د.ميرفت التلاوى الدبلوماسية والوزيرة المصرية السابقة والتى تشغل حالياً منصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ، و رفعوا شكوى لكوفى أنان، الأمين العام، يدّعون أن الدكتورة قد تهجمت على الإسلام وعلى أبى هريرة، وهذا يعد كفراً صريحاً من وجهة نظرهم يستدعى تطبيق حكم الردة! وهذا طبعاً ترخيض بقتل الدكتورة المرتدة منحه رجال الدين السعوديون للشباب مغسولي الأدمغة. ولا تقل هذه الفتوى خطورةً عن فتوى الإمام الخميني التي أصدرها في 14 فبراير 1989 وأهدر بها دم الكاتب الهندي البريطاني سلمان رشدي. وما زال بعض المشايخ في إيران يحتفلون بالذكرى السنوية لهذه الفتوى. وقد يعتبر البعض أن شكوى رجال الدين السعوديين إرهاباً فكرياً فقط، ولكن الإرهاب الفكري لا يقل خطورة عن الإرهاب المسلح الذي عانت منه المملكة العربية السعودية وما زالت تعاني.

ورجال الدين السعوديون الذين رفعوا هذه الشكوى ما زالوا يعيشون في القرن السادس الهجري عندما تولى الخلافة الخليفة المستضئ عام 556 هجرية وعيّن الحافظ عبد الرحمن بن على الجوزي محققاً. فكان أول شئ صنعه ابن الجوزي أن صعد على المنبر وقال للناس: " إن أمير المؤمنين قد بلغه كثرة الرفض، وقد خرج توقيعه بتقوية يدي في إزالة البدع، فمن سمعتموه من العوام ينتقض الصحابة فاخبروني، حتى أنقض داره، وأخلده الحبس، فإن كان من الوعاظ حذرته إلى المثال." ( أحكام النساء لابن الجوزي، المكتبة العصرية، صيدا-بيروت، ص 35). فما هو سبب دفاع هؤلاء الناس عن الصحابة ؟ ومن هم الصحابة ؟

الصحابي هو كل شخص عاصر النبي وسمع منه، أو عاصره ولكن لم يلتقيه أو يسمع منه. وينسحب هذا التعريف على أعداد هائلة من الناس كان بعضهم من أشد أعداء النبي قبل أن يسلموا. ومنهم أبو سفيان ومروان بن الحكم الذي كان يستهزئ بالنبي ويقلد مشيته فنفاه النبي مع ابنه مروان إلى الطائف. والصحابة طبعاً بشر مثلنا يخطئون كما نخطئ، ولم تكن لهم أي عصمة في صدر الإسلام، ولكن كان لهم احترام على أساس أنهم عاصروا النبي وغزوا معه. وقد قال القرآن: " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً وسجوداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود. " وقال الرسول: " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم. " وليس في هذه الآية ولا في الحديث ما يُعطي الصحابة صبغة التنزيه عن الخطأ. وما داموا معرضين للخطأ يجوز لنا أن ننتقد سلوكهم أو أقوالهم. وكان الصحابة أنفسهم يتشاجرون ويشتم بعضهم البعض ويكذّب بعضهم البعض. فقد اشتد عمر بن الخطاب ذات يوم على أبي سفيان بن حرب وأهانه، فخرجت هند زوجة أبي سفيان تسب عمر وتقول له: " إليك عني يا ابن الخطاب، فلو في غير هذا اليوم تفعل هذا لاصطخبت عليك الأخاشب " ( محمد الأزرقي: أخبار مكة، ص 190، نقلاً عن مهزلة العقل البشري للدكتور على الوردي). ويروي البخاري في صحيحه أن الصحابة تشاتموا مرة أمام النبي وتضاربوا بالنعال ( شرف الدين، الفصول المهمة، ص 146، نقلاً عن وعاظ السلاطين لعلي الوردي). وقال الحسن بن علي بن أبي طالب لعمرو بن العاص: " أما أنت فقد اختلف فيك رجلان، رجل من قريش ورجل من أهل المدينة فادعياك، فلا أدري أيهما أبوك." ( التاريخ الإسلامي للذهبي، ص 208). فما دام الصحابة قد شتموا وانتقدوا بعضهم، هل أخطأت الدكتورة ميرفت بنقدها أبي هريرة، الذي تُسند إليه أغلب الأحاديث المكبلة للمرأة ؟ ومن هو أبو هريرة هذا الذي أدى انتقاده إلى حكم الردة على الدكتورة ؟

تخبرنا كتب السيرة والأحاديث أن أبا هريرة ولد سنة 21 قبل الهجرة ومات سنة 55 إلى 59 هجرية. ولم يكن تاريخ وفاته هو الوحيد الذي اختلفت فيه كتب الحديث، فقد اختلفوا في اسمه، فقالوا هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وقال آخرون هو على بن عبد شمس أو عبد الله بن عمرو أو عبد الله بن عامر أو ابن عبد العُزى أو عُمير بن عامر بن عبد ذي الشرى بن طريف أو برير بن عشرقة أو سكين بن دوقة أو عبد الله بن عبد شمس وقيل عبد غنم. وأسلم أبو هريرة مع أمه في العام السابع الهجري وقت غزوة خيبر. ومع أنه عاصر النبي حوالي ثلاثة سنوات فقط، فقد كان أكثر من روى أحاديثا عن النبي، فقد روى 5374 حديثاً، بينما روت عائشة 2210 وأسامة بن زيد روى 182 حديثاً. ( شذرات الذهب للدمشقي، ج1،ص 65). ولم ترو السيدة خديجة التي عاشت مع الرسول حوالي 25 عاماً أي حديث. والغريب أنه كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ولكنه في مدى ثلاث سنوات حفظ هذا الكم الهائل من الأحاديث. وقد اتهمه الكثير من الصحابة بالكذب. فقد قال أبو بكر بن إسحق حدثنا عمرو بن عون حدثنا هشيم عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن ابن عمر أنه مرّ بأبي هريرة وهو يحدث عن النبي (ص) فقال ابن عمر: يا أبا هريرة، أنظر ما تحدث عن رسول الله (ص) ( الجامع لأحكام القرآن للقرطبي). وقد زعم أصحاب أبي حنيفة أن أبا هريرة قد أرسل حديث " ذي اليدين " كما أرسل حديث " من أدركه الفجر جُنباً فلا صيام له " وقالوا: كان كثير الإرسال. وحدث عروة بن الزبير عن عائشة، زوج رسول الله (ص) أنها قالت: " ألا يعجبك أبو هريرة ؟ جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله (ص) يسمعني ذلك، وكنت أسبّح. فقام قبل أن أقضي سُبحتي، ولو أدركته لرددت عليه أن رسول الله (ص) لم يكن يسرد الحديث مثل سردكم " ( سُنن أبي داود ج2/345).

وقد اتهم بعضهم أبا هريرة باختلاس أموال بيت مال البحرين التي كان قد تولاها لعمر بن الخطاب عام 21 هجرية، فعزله عمر ( من قاموس التراث، هادي العلوي، ص 78). وعندما ولاه النبي حفظ زكاة الفطر اكتشف على مدى عدة أيام أن المال ينقص كل ليلة، فلما سأل أبا هريرة عن ذلك قال أبو هريرة: إنه الشيطان يسرق مني فأمسكه فيحلف ألا يعود فأطلقه فيعود، فقال له النبي: " دعني أعلمك ما ينفعك إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي إلى آخرها فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح. " (شذرات الذهب للدمشقي، ج1، ص 65). وكان أبو هريرة مؤيداً للأمويين ولكنه كان يصلي خلف علي بن أبي طالب ويأكل على سماط معاوية، فلما حاوروه في ذلك قال لهم: " الصلاة خلف علي أتم وسماط معاوية أدسم وترك القتال أسلم ". وحتى عمر بن الخطاب اتهمه بالمراوغة عندما كان في البحرين مع قدامة بن مظعون الذي اتهمه الجارود بشرب الخمر، فقال له عمر: من يشهد على ما تقول ؟ فقال الجارود: أبو هريرة. فدعا عمر أبا هريرة وقال له: علام تشهد يا أبا هريرة ؟ فقال: لم أره حين شرب ورأيته سكران يقئ، فقال له عمر: لقد تنطعت في الشهادة. وتنطع في الكلام تعني: تفصّح فيه وتعمّق ورمى بلسانه إلى نطع الفم(المنجد في اللغة والإعلام) يعني راوغ. وقد شتمه بعض الصحابة، منهم إبان بن سعيد الذي كان النبي قد بعثه في سرية من المدينة وقدم على رسول الله بخيبر بعد أن فتحها، فقال إبان: أقسم لنا يا رسول الله. وقال أبو هريرة: لا تقسم لهم يا رسول الله. فقال له إبان: أنت بها يا وبراً تحدّر علينا من رأس ضال. والوبر حيوان بحجم القط من رتبة الخرطوميات، والضال: شجرٌ من فصيلة النبق ( المنجد في اللغة والإعلام).

وحتى هارون الرشيد قد تشكك في أبي هريرة. فقد قال عمر بن حبيب: حضرت مجلس هارون الرشيد فمرت مسألة تنازعها الحضور وعلت أصواتهم، فاحتج بعضهم بحديث أبي هريرة عن رسول الله (ص)، فرفع بعضهم الحديث وزادت المدافعة والخصام حتى قال قائلون منهم: لا يُقبل هذا الحديث لأن أبا هريرة متهم فيما يرويه، وصرحّوا بتكذيبه، ورأيت هارون الرشيد قد نحا نحوهم ونصر قولهم.

ولم يكن أبو هريرة أول صحابي انتقده المسلمون، فقد انتقد بعض علماء الأزهر الصحابة سابقاً. فقد اجتمعت لجنة الفتاوى بالجامع الأزهر، في عهد الملك فاروق، فقررت الطعن في أبي ذر الغفاري، أزهد أصحاب رسول الله، واتهمته بالهوس والخروج على إجماع المسلمين (جريدة الشعب، البغدادي، العدد الصادر في 13 كانون الثاني عام 1954 ) وقال الشيخ موسى جار الله عنه: إنه كان يذكي نيران هذه الفتنة ( فتنة مقتل عثمان ) بنظره القاصر. وهو وإن اشتهر بالزهد والورع والتقوى فقد أثرت فيه دعوة أهل المكر فأفتتن بها فكان آلة عمياء ولم يكن يعلم أن عثمان أعلم منه وأورع وأزهد وأتقى وأنصح للدين والأمة ( وعاظ السلاطين ص 81). فلو كان نقد الصحابة يوجب التكفير وحكم الردة لما انتقدهم علماء الأزهر

فإذا كانت هذه أراء الصحابة الآخرين عن أبي هريرة، وأراء الأزهر عن أبي ذر، فهل قالت الدكتورة بأكثر من هذا حتى يكفروها ويبيحوا دمها ؟