ـ1ـ
عندما كنت في الثالثة عشر من عمري كتبت ما يلي:
عربي..
ما دمت أنت عربي
فأخي أنت..
ابن أمي وأبي
وعندما وطأت الثامنة عشر حفظت ما يلي:
سجل.. أنا عربي.
وعندما أصبحت في الثالثة والخمسين كتبت والغصة تعتصر فؤادي:
ابكوا علي.. أنا عربي!


ـ2ـ أجل، ابكوا علي.. لأنني إذا كنت مسيحياً عربياً فلا حول لي ولا قوة، سأعيش نكرة، وأموت نكرة. وإذا كنت شيعياً عربياً، فسيفخخون لي السيارات ويفجرونها كي لا أفتح فمي، أما إذا كنت سنياً عربياً، فالويل لي إذا عارضت، والويل لي إذا لم أدجّن في قن الحاكم، والويل ثم الويل لي إذا طالبت بالإنفتاح على باقي الطوائف، فالـ (تي أن تي) من نصيبي، والموت الزكام.

ـ3ـ أنا عربي.. إذا أنا مضطهد.. صديقاً كنت أم عدواً، موالياً أم معارضاً، مثقفاً أم أمياً، فتهمتي جاهزة، أولها التعامل مع العدو، وآخرها التآمر على النظام.

ـ4ـ ليس من حقي كعربي أن أتعرف إلى أكثر من حاكم، فالإله أنزله إلي، والإله سيأخذه مني متى حان رحيله، أما أنا فما علي إلا الدعاء له بطول العمر، وبكثرة النسل، وبالتصفيق المتواصل إذا حكى أو سعل أو شخر.

ـ5ـ إذا كتبت، لا أحد يقرأ، وإذا قرأت لا أحد يسمع، الأمية متفشية في شعبي، والطائفية تبول على رأسه، وما زلنا نردد أننا خير أمة أنجبت للناس.. فأين الخير؟ وكل ما نتنفسه سم زعاف، وكل ما نشربه سم زعاف، وكل ما نأكله سم زعاف.. حتى صلواتنا أصبحت مسممة.. وقاتلة.

ـ6ـ لا يحق لي أن أمشي في الشارع، ولا أن آخذ عائلتي في نزهة، ولا أن أشتري الآيس كريم من بائع متجول، ولا أن آكل الذرة المشوية أو المسلوقة كباقي الناس، ولا أن أرتاد المقاهي وأدخن الشيبشة، فعلى كل زاوية تقف سيارة ملغومة، وخلف كل حائط يتلطى حزام ناسف.. وداخل كل سيارة يجلس شيطان رجيم.. فكيف لي أن أعيش، وكيف لي أن أنمو.. وكيف لي أن أبتسم.

ـ7ـ لم أعرف الحرية، ولم أمارس حقي في النطق، أو في الإصغاء، أو في التطلع، فكل هذه الأشياء محرمة عربياً، وكل من يمارسها أو يفتش عنها، أو يدخلها باب بيته مفقود، مفقود، مفقود.

ـ8ـ علي أن ألعن كل من يدعو للديمقراطية، أو للمساواة، أو للتقدم، أو للتعايش، أو للسلام.. فكل هذه الموبقات غير مسموح بها.. إنها مستوردة، وإمبريالية، ورجعية، وعميلة، والخير كل الخير في تركها والابتعاد عنها كي لا نقع في المحظور ونغضب الله.

ـ9ـ أحلامي كوابيس، وكوابيسي حقائق، فلا طفولتي بريئة، ولا شبابي منتج، ولا رجولتي مخصبة، ولا شيخوتي مأمنة، النظام العربي لا يحميني في طفولتي، ولا في شبابي، ولا في رجولتي، ولا في شيخوختي.. أما أنا فعلي أن أحميه، وأن أفديه، وأن أنجب له جنوداً ومخبرين، قد أكون أول من يقتلون.

ـ10ـ ابكوا علي كي أبكي عليكم، فكلنا في الهواء سواء.. نستيقظ خائفين، ونسير خائفين، وننام خائفين، فأمن الدولة ليس أمننا، ورفاهية الدولة ليست رفاهيتنا، ونعيم الدولة ليس نعيمنا، نحن في دولتنا العربية.. لا شيء.. لا شيء.. لا شيء.. أموات يتنفسون.. صدق الله العظيم.

[email protected]