سلطان يا سيف الحمى المسلول والسهم المراشا
عش للجهاد ، وذكرك الميمون للتاريخ عاشا
حاشا لمثلي أن يصغّر من مقامك ألف حاشا
إن كنت سلطاناً فكيف يجوز أن أدعوك باشا
هذه الأبيات الخالدة قالها الشاعر القروي لسلطان باشا الأطرش، لا ليرفع من شأن من رفع شأننا جميعاً وأهدانا الإستقلال، بل ليرفع الشعر إلى مصاف البطولة.
وعندما قال عنه الصحافي الراحل ميشال أبو جودة (جبل من الجبل) كان يضـع كـل ذرة من جبـل العـرب في كفـــة وتضحيـــات (الجبل السلطان) في كفة أخرى.
فمن هو هذا (الجبل) الذي وقف بوجه الدولة الفرنسية؟..
هو ابن ذوقان الأطرش، البطل الذي أعدم شنقاً عام 1910، إثر حملة سامي باشا الفاروقي.
هو ذلك الجندي المسافر إلى (تسالونيك) و(الرومالي)، الموصوف بالشجاعة منذ الصغر.. والذي قيل عنه (أشجع رجل في شعب شجاع).
هو ذلك المحدث العظيم الذي إذا تكلّم أوجز.
هو ذلك العربي الثائر الملتحق بالثورة العربية التي أعلنها الشريف حسين، ورفع بيديه علمها عام 1918.
هو سلطان باشا الأطراش.. وكفى.
وفي سنة 1921 حكمت الدولة الفرنسية على المدعو أدهم خنجر لمحاولته اغتيال الجنرال غورو، فالتجأ إلى (القريّة) بلدة سلطان، واستجار به.. وفي غياب سلطان داهمت قوة فرنسية البيت وألقت القبض على أدهم.. فاعتبر ذلك خرقاً لتقاليد الضيافة العربية، واستهتاراً باتفاقية آذار 1921، التي تحفظ العادات والتقاليد المرعية في جبل العرب، وقال: (إن موتي وإهانة ضيفي سيّان..) وطلب بإلحاح إطلاق سراح ضيفه.. ولما لـم يستجب طلبه ، لقّن الفرنسيين درساً قاسياً في (الثعلة) غربي مدينة السويداء.. وحطم المدرعتين اللتين تقلاّن السجين أدهم والقوة المرافقة، فاضطرت فرنسا إلى نقله بالطائرة إلى دمشق فبيروت، عندئذ قال سلطان: (لا حيلة لنا بالسماء.. أما في الأرض فاننا مستعدون لبذل أرواحنا في سبيل كرامتنا).
وتوالت الأحداث، وتوالى الجهاد، وأصبح الإستقلال حقيقة تتناقلها الألسن وتهتف من أجله القلوب.
وهكذا بذل بنو معروف الأرواح ليسطروا صفحات تاريخنا بدمائهم الذكية.
فهل يهبنا اللـه (جبلاً) آخر ينقذنا من الديكتاتوريات الحاكمة، والاستخبارات الظالمة، ويحقق آمال الشعوب الناقمة، التي تخاف أن تقلع أسنانها المسوسة كي لا تفتح أفواهها وتتهم بالتآمر على النظام.. كما أنقذنا من الاستعمار القديم؟
يتهامس البعض أن سلطان باشا الأطرش قد تقمص بوليد جنبلاط، فأعطاه الشجاعة والحكمة واللسان اللبق، ومده بنسغ من الصلابة يلين الفولاذ ولا تلين.
رغم إعجابي بوليد جنبلاط، ورغم شروش عائلتي الدرزية، وصلة القربى التي تربطنا بآل بعيني في الشوف، إلا أنني ما زلت مستاء من تلك المجازر الهمجية التي ارتكبت بحق المسيحيين إثر مقتل والده كمال جنبلاط، خاصة وقد اتهم علانية حزب (البعث) السوري بتصفيته، كي لا يتهم سوريا ككل أمام العالم.
الآن، وبعد انتفاضة الاستقلال، وجب على جميع اللبنانيين أن يعتذروا من بعضهم البعض، وأن يزوروا قبور أناس أبرياء اغتالوهم زوراً، من أي منطقة كانوا، وإلى أي دين انتسبوا، كي لا تتكرر تلك الأعمال الشنيعة المخجلة مرة أخرى، وكي يحق لنا تصدير الديمقراطية إلى بلدان العالم العربي، وفي مقدمتها الشقيقة سوريا.

[email protected]