ما أن حطّت الطائرة في مطار بيروت الدولي، حتى تملكنا فرح غريب لـم نقدر على تفسيره. وحده الوطن.. ذلك القريب البعيد المنتظر عودة غيابه، يقدر أن يمنحك سعادة مستبدة، تجبرك على البكاء عند مغادرته.
مطار بيروت الجديد، طمأننا، ساعة دخوله، على أن لبنان قد استعاد عافيته، واستبدل الدمار بناطحات السحاب. أنّى اتجهت، وأنّى ذهبت، تجد العمارات الجديدة، والشوارع المعبّدة، وإشارات المرور، وشرطة السير، والمحلات التجارية الكبيرة، وهيصة البائعين، وضحكات الناس الطيّبين. كل جمال لبنان عاد إلى لبنان.. حتى تمثال شهدائه على ساحة البرج الذين انضم إليهم مؤخراً الشهيد رفيق الحريري.

شيء واحد لم يعجبنا في مطار بيروت ألا وهو أصوات المنادين على الركاب، فلقد كانت عالية ومزعجة، تجعلك تجفل عند سماعها، وكأن من يقوم بهذه المهمة قد وظّف اعتباطياً، دون أن يخضع لدورة تدريبية تجعله يتكلم بطريقة تسحر الأسماع وتستميلها، واعذروني إذا تكلمت بصيغة المذكر، لأنني لم أسمع صوتاً أنثوياً واحداً في المطار.
فندق الهوليداي إن الشهير يتوق للعودة إلى أحضان الوطن والسياحة المزدهرة بفارغ الصبر.. وكم كنت أتمنى أن يحولوه إلى (أثر حربي) يشد آذاننا ويوجعها كلما مررنا ببيروت، ويصرخ بألم: هذا ما اقترفت أيديكم يا أبناء وطني.
صحيح أننا شاهدنا ونحن نتجوّل بعض البنايات المخردقة، لكننا لـم نعرها انتباهنا، لأن عملية ترميمية بسيطة تعيد للبناية جمالها.. ورحم اللـه القائل: إذا ما عندك فرش.. عندك طرش. أي دهان.. فليتّفق سكان البنايات على صيانتها وخذوا العجب.
لبنان عاد رغم أنوف أعدائه وتفجيراتهم الحاقدة، ومطاعم ماكدونالد الشهيرة تشهد على ذلك.. فلقد زُرعت في كافة المناطق اللبنانية، ومن المقرر ان يصل عددها إلى ثـمانين مطعماً، تأمّن الطعام السريع.. والحمّامات الأسرع. وصدقّوني أن حمامات المطاعم هي التي تريح الناس من نفاياتهم، بعد أن تجاهلت الحكومة هذه الحاجة الضرورية جداً جداً ولـم تبنِ مرحاضاً واحداً ينقذ مخلوقات اللـه مما ابتلاهم به.
شيء واحد ما زال ينقص اللبنانيين، ألا وهو استقلالهم التام، والقضاء على زمر المفخخين والمفجرين بإذن الله.

[email protected]