طلب المعلّم من الطفل موسى المعماري أن يرسم قصراً على لوحه الأسود الصغير، وبعد دقائق سلّمه موسى اللوح، بعد أن رسم عليه قصراً كان يحلم به، وما أن رآه المعلم حتى جنّ جنونه وصاح:
ـ أهذا قصر يا حمار!!
وراح يضربه بقضيب أعده لتعذيب طلاّبه ساعة تدعو الحاجة، ولسان حاله يردد مع ابن سيراخ: إقتنِ لابنكَ حزمةً من القضبان فإذا انكسر واحد أحضر الثاني!!!
والظاهر أن قضيب المعلّم لـم ينكسر على جسم موسى الطفل، رغم ردّه للضربات القاتلة بيديه، بل تحوّل مع الزمن إلى مسطرة وبيكار، لتبدأ رحلة بناء القصر الحلم الذي سبّب العلقة الساخنة لموسى.
القصر غاية في الروعة، يقع في بلدة دير القمر اللبنانية، ولست أدري لماذا لـم يعجب ذلك المعلم الجاهل، القليل الذوق؟!
تدخل إليه من باب ضيق، لا يزيد ارتفاعه عن 120 سنتم، وقد صمّمه موسى على هذا الشكل كي يجبر معلّمه الذي ضربه على الانحناء قبل الدخول إلى قصره!
داخل القصر، يدهشك تعب موسى، يسرق بصرك بتماثيله المتحركة والثابتة، وتهتف من كل قلبك: أليس موسى لبنان والت ديزني أميركا؟!.. بلى، وإلاّ لما كان تمكّن، بمجهود فردي، من الإتيان بقصر كهذا، قد تعجز الدولة عن بنائه.
ولقد ذكّرني تمثال الخوري الذي يركب حماره بنكتة تقول: ركب خوري إحدى القرى الجبلية حماره وذهب للمشاركة بدفن أحد الموتى في قرية مجاورة، ومشت وراء حماره مجموعة من النساء المتشحات بالسواد حزناً على الفقيد الغالي. وبما أن حرّ الصيف كان شديداً في ذلك اليوم، فقد بدأت النسوة بالتذمّر من قلّة ذوق الخوري. فقالت له إحداهن:
ـ هذه قلّة ذوق يا بونا، أنت تركب الحمار ونحن نسير وراءك، دون أن تسألنا الركوب ولو للحظة واحدة؟!
فأجابها الأبونا وذقنه ترتجف:
ـ ولماذا الاحتجاج يا بناتي؟ لقد ماتت الخورية منذ عشرين سنة، ولم تسألني واحدة منكن أن أركب ولو للحظة أيضاً!
وأعتقد أن موسى يعرف النكتة، وإلاّ لما أركب الخوري على الحمار، وكأنه يتأهب للمشاركة في جنازة مسكين آخر.
ومن الاشياء التي أعجبتني كثيراً، تلك المائدة ـ السفرة الممدوة على الارض، تماماً كما كنّا نمدّها أيّام زمان، ونجلس حولها القرفصاء، بعد أن نشكر اللـه على عطاياه الكثيرة.
كما أعجبني جناح (العشاء السري) الذي أقامه المسيح لتلاميذه الإثني عشر، وكأن موسى أراد بهذا الجناح أن يفرك أذن معلمه ويقول له: أهذا معلّم وأنت معلّم؟!.. المسيح يكرم طلاّبه، ويغسل أرجلهم، وأنت تضربهم بسبب عبقريتهم التي لـم تتمكن من استيعابها!!
ألف شكر يا موسى المعماري، فلقد أعطيتنا، كمعلمين، درساً لن ننساه.
قريباً، سنراك، لننحني لك مجدداً قبل الدخول إلى قصرك.

[email protected]