منذ أيام اجتمع 115 من كرادلة الفاتيكان قادمين من 52 بلداً لانتخاب البابا رقم 265 في تاريخ الكنيسة، وقد وقع اختيارهم علي عميد مجمعهم الألماني "جوزيف راتسينجر" الذي قاد الفترة الانتقالية ويبلغ من العمر 78 سنة، وهو أكبر بابا منذ ثلاثة قرون.

ولفت نظري أن هذا الاختيار لم يلق سوي ترحيب محدود، وانتقده الكثيرون حتي من أبناء قومه الألمان! ويأتي علي رأس هؤلاء "أندرياس انجليش" وهو خبير ألماني بشئون الفاتيكان، انتدبته صحيفة "بليد" الألمانية لتغطية انتخابات البابا الجديد.. وقد أكد أنه فاز بأغلبية ضئيلة لأن له أعداءً كثيرين داخل الحاضرة الفاتيكانية، والكرادلة المحافظون من وراء فوزه، ويعني ذلك أن كل شيء سيبقي علي حاله، ومن الصعب أن نري شيئاً سيتغير سوي تقليص الميل إلي الحوار مع الآخرين، فالبابا الجديد سيغلق كل شيء! وسيزيل أي محاولات لتعزيز الحوار مع الأديان الأخري خصوصاً الإسلام.

ويضيف الخبير الألماني بشئون الفاتيكان كلاماً أرجو أن تتأمله جيداً لأنه إذا صح فإن ذلك سيعني تراجعاً كبيراً في دور الكنيسة الكاثوليكية.. فهو يصف البابا "جوزيف راتسينجر" بأنه يكره الإعلام ويكره الظهور أمام الناس، وهو ليس بجماهيريّ الهوي!! وأنا لا أدري كيف سيتعامل مع عالم متعدّد ومعقّد ويتطلب منه الحضور السريع والسفر بين القارات، والبابا الجديد يميل إلي الانصراف للدراسات والأبحاث والتأملات الفكرية، وكان في الماضي أستاذاً جامعياً، ولا شك أنه شعر بأن سلطة ما عاقبته بانتخابه بابا جديداً لأن المهمة الملقاة علي عاتقه ستصرفه عما يميل إليه!

والمعروف عن رأس الفاتيكان الجديد تعصبه ضد الإسلام، وهو من أشد المعارضين لدخول تركيا الاتحاد الأوروبي لأن هذه الدولة مسلمة! وفي خطبته الافتتاحية بعد توليه لمنصبه لم يشر مطلقاً إلي رغبته في الحوار مع المسلمين، بينما أشاد بالإرث المشترك مع اليهود!! ويقول المؤرخ الألماني الذي كتب عنه إن هناك ميلاً متأصلاً في البابا الجديد وهو إيمانه بأن المسيحية نعمة كونية علي الإنسان في الأرض، ومن لا يقبلها يعرض نفسه للهلاك.. مما يكشف عن تعصبه.

وعلي الفور ربطت بين هذا الكلام وما قرأته عن بولس الرسول وكان أثره في الديانة المسيحية هائلا.. أهم وأعظم من كل كتّباها ومفكّريها.. هكذا وصفه الباحث الأمريكي "مايكل هارت" الذي وضع كتاباً شهيراً عن أعظم مائة شخصية في التاريخ، واختار نبينا محمداً صلي الله عليه وسلم في مقدمتهم.. والمعلومات التي سردها عن هذا المبشر المسيحي أصابتني بالذهول، وأعترف لك بأنني لم أعلمها، وأعتقد أنها ستكون كذلك بالنسبة "لحضرتك"!!

ومن أهم أفكار "بولس الرسول" أن يسوع المسيح لم يكن فقط نبياً بشراً، بل كان إلهاً حقاً!! وأنه مات من أجل التكفير عن خطايا البشر، وأن الإنسان لا يستطيع أن يحقق هذا الخلاص من الخطايا بالإيمان بالكتب المقدسة فقط، وإنما الإيمان بيسوع، وإذا آمن الإنسان بالمسيح، فسوف تغفر خطاياه، وهو أيضاً الذي أوضح فكرة الخطيئة الأولي.

ويؤكد المؤرخ الأمريكي أن بولس الرسول هو المسئول الأول عن تحويل الديانة المسيحية من مجرد طائفة يهودية إلي ديانة كبري، وكان وراء تأليه السيد المسيح!! بل إن بعض فلاسفة المسيحية يرون أنه هو الذي أقام المسيحية وليس المسيح!! ولكن ما كان يمكن أن يكون "لبولس" هذا القدر العظيم لولا المسيح نفسه!!

والمفاجأة الكبري أن هذا المبشر الكبير لم يلتق في حياته بالسيد المسيح!! رغم أنه زار "القدس" أكثر من مرة، وعاش في ذات الفترة، أي كان معاصراً له! لكنه لم يكن من تلاميذه!

وبعد وفاة السيد المسيح كان أتباعه يلقون التعذيب الشديد بتهمة الكفر وقد ساهم القديس بولس في اتهام أتباع المسيح بالزندقة!! لكن في رحلة له إلي دمشق رأي السيد المسيح في نومه، وبعدها تحوّل إلي المسيحية وكانت نقطة تحول في حياته وفي تاريخ المسيحية نفسها، فالرجل الذي كان عدواً لها أصبح من أئمة دعاتها وأعظم أعمدتها!!

ومنذ ذلك الحين أمضي القديس بولس حياته كلها يكتب عن المسيحية ويدعو إليها، فدخلها الكثيرون، وقد سافر كثيراً يدعو ويبشّر، ويقنع الناس بالإيمان، فزار تركيا القديمة وبلاد الإغريق وسوريا وفلسطين، لكنه لم يكن موفقاً عندما كان يتحدث إلي اليهود، فكثيراً ما تعرضت حياته للخطر، لكنه نجح في تبشيره بالمسيحية بين غير اليهود حتي وصفوه بأنه داعية "الأميين" أي غير اليهود، ولم يستطع أحد أن يقوم بمثل هذا الدور سواء قبله أو بعده.

وترجع أهمية هذا المبشر إلي تطويره لأصول الشريعة المسيحية، فمن بين السبعة والعشرين سفراً من كتاب العهد الجديد، نجد القديس بولس قد ألف أربعة عشر سفراً، وهو الذي قام بتطوير المسيحية بالطريقة التي ذكرتها من قبل، فقد كان من وراء تأليه السيد المسيح!

وكل هذه المعلومات التي ذكرتها لك سواء عن البابا الجديد أو القديم! مصدرها أساتذة أجانب، ولا تستطيع أبداً أن تقول عنهم إنهم متعاطفون مع الإسلام! وأنا بطبعي أحب إسلامنا الجميل وأكره التعصب، والتطاول علي ما يؤمن به الغير، لذلك كنت في غاية الحرص وأنا أكتب عن المسيحية!! والسيد المسيح له مكانة كبري في ديننا الذي اعترف برسالة سيدنا عيسي، وكل الأنبياء والرسل قبل خاتم النبيين! ومن المؤسف أن مسلك أتباع السيد المسيح يحتاج إلي إعادة نظر في كثير من الأحيان. وليس أدل علي ذلك من الحروب الصليبية التي بلغ عددها ثماني حروب واستغرقت ما يقرب من مائتي عام.

والغريب أن أول من دعا إليها هو البابا "أوريان الثاني الذي عاش في الفترة ما بين 1042 و1099، وفي يوم 27 نوفمبر سنة 1095م تحديداً أشعل شرارة الحرب حيث دعا إلي اجتماع كنسي كبير في مدينة "كليرومون" واحتشد ألوف الناس، وألقي فيهم هذا البابا خطبة امتد أثرها قروناً عديدة، وفيها احتجّ علي السلاجقة الأتراك الذين يحتلون الأراضي المقدسة! وطالب جميع المسيحيين بأن يشنوا حرباً مقدسة لإنقاذ هذه الأراضي من المسلمين، وأعلن أنه سوف يغفر الذنوب جميعاً لمن يساهم في هذه الحروب الصليبية!! وقبل أن يفرغ من خطبته هتف الناس قائلين: إذن هي إرادة الله، وأصبحت تلك العبارة هي شعار الحروب الصليبية قروناً عدة.. إن هذه الحرب إرادة الله.

والعجيب أن الكنيسة الكاثوليكية ترفض حتي هذه اللحظة الاعتذار للمسلمين عن الجرائم التي ارتكبوها ضدهم في تلك الحروب. ولا أفهم السبب. رغم أن السيد المسيح بريء منها!!