نبيل شرف الدين من القاهرة: في الوقت الذي كان فيه أستاذ الاجتماع السياسي في الجامعة الأميركية بالقاهرة، الدكتور سعد الدين إبراهيم، يتلو البيان الختامي وتوصيات مؤتمر "الإسلام والإصلاح" الذي استضافه مركز "ابن خلدون" للدراسات الإنمائية في القاهرة، الذي يرأسه إبراهيم، ودعا في إحدى توصياته إلى ضرورة إدماج الحركات الإسلامية في العملية الديموقراطية، شرط اعتراف هذه الحركات بالديموقراطية كخيار استراتيجي، حتى جاء الرد على ذلك بشكل عملي وإن كان مؤسفاً، إذ اقتحم عدد من الأشخاص المجهولين قاعة فندق (بيراميزا) بحي الدقي حيث كانت تعقد فعاليات المؤتمر، وقد بدا أن هؤلاء الأشخاص من غير المدعوين إلى المؤتمر، وراحوا يقاطعون إبراهيم في كل كلمة ينطق بها، ومن ثم قام بعضهم بإحداث جلبة وهرج في القاعة، وتعالت صيحات آخرين تتهم إبراهيم بالعمالة والكفر، وتوجه إليه أقذع ألفاظ السباب، وتداعى الأمر ليصل إلى حد إطلاق هتافات دينية، وبدا الضيوف الأجانب والحضور مذعورين مما يجري، وبالفعل تحققت هواجسهم، إذ اشتبك هؤلاء المجهولون بالأيدي مع منظمي المؤتمر، وساد الصخب في كل مكان لتتحول القاعة إلى فوضى عارمة.

بعد ذلك قام واحد من هؤلاء المجهولين برفع الآذان داخل القاعة، واصطفوا خلفه ليؤمهم للصلاة، وسط ذهول الحاضرين، الذين انتهزوها فرصة ـ ليفروا من قاعة المؤتمر التي تحولت إلى مشهد عبثي لم يكن يخطر ببال أي منهم، في ما قال شريف منصور، منسق المؤتمر لـ إيلاف، إنه والدكتور سعد الدين أبلغا الشرطة بما حدث غير أنها حين حضرت رفض الضابط التدخل في الأمر، قائلاً إن هؤلاء الأشخاص يصلون، وليس بوسعه التدخل والتعرض للمصلين، كما أفاد بذلك منسق المؤتمر في تصريحات خاصة لـ إيلاف.

وأضاف شريف منصور قائلاً إن الأشخاص المجهولين اختطفوا حقيبة المفكر الإسلامي المعروف بآرائه الإصلاحية جمال البنا شقيق حسن البنا مؤسس جماعة (الإخوان المسلمين)، ومزقوا أوراق المؤتمر واعتدوا عليه بالضرب، وقاموا بالسطو على كثير من موجودات القاعة.

بيان إبراهيم

وفي بيان أصدره د. سعد الدين إبراهيم، وتلقت إيلاف نسخة منه، سرد فيه الواقعة قائلاً إن "بعض المجهولين والمأجورين بالاعتداء اللفظي والبدني على المشاركين من أعضاء وضيوف مركز ابن خلدون ورئيسه ومجموعة الصحافيين والمراسلين الذين حضروا لتغطية المؤتمر الصحافي والذي نظمه مركز ابن خلدون في أعقاب انتهاء الملتقى الأول الذي نظمه المركز تحت عنوان " الإسلام والإصلاح" بفندق بيراميزا بالقاهرة.

ووفقاً للبيان فقد "شهدت أعمال الملتقى الأول خلال يومي انعقاده نجاحا كبيرا تمثل في حضور أكثر من عشرين مفكر من أعلام الاجتهاد الديني في عالمنا الإسلامي المعاصر، ومن أوروبا والولايات المتحدة.

وأضاف البيان قائلاً إنه "تمثل في التغطية والاهتمام الإعلامي المكثف بافتتاح الملتقى، وعمق وصراحة مناقشات الحضور وهو ما توّج بالإعلان النهائي للملتقى والذي كان قويا وواضحا في الدعوة الى " إعادة صياغة نسق معرفي جديد للفكر الإسلامي ومراجعة التراث الإسلامي، مراجعة جذرية، والتصدي لأفكار المؤسسات التي تحتكر الحديث باسم الدين، ومواجهة وتفنيد مقولات ورؤى وأفكار التيارات الدينية المتطرفة، وتكثيف الحوار مع القوى المعتدلة والمستنيرة في المجتمعات الغربية عامة والمجتمع الأميركي خاصة، أهمية إدماج الحركات الإسلامية في العملية الديمقراطية، وتمكين الحركات المعتدلة من حق الوجود السياسي إذا قبلت بالديمقراطية كخيار استراتيجي وأقرت بالمبادئ الأساسية التي يقوم عليها قيم المجتمع المدني والدولة المدنية الحديثة، وضرورة إجراء حوار عام موسع مع تيارات الإسلام السياسي السلمي".

وتابع البيان قائلاً إنه "على الرغم من أن منظمي المؤتمر قد قاموا بدعوة ممثلي مختلف الجماعات الدينية لحضور المؤتمر والمشاركة في أعماله، وعلى الرغم أيضا من توجيه المشاركين الدعوة للحوار معهم ، بل والتحاور معهم حول إشراكهم في العملية السياسية في الإعلان النهائي للمؤتمر. إلا أن النجاح الكبير قد أزعج البعض من أعداء الإصلاح، فقاموا بمحاولة لإفساد أعمال المؤتمر الصحافي، حتى لا يستطيع الصحافيين الجادين الحوار مع المشاركين في المؤتمر والإفادة من نتائجه، في ظل تجاهل أمني غير مبرر.

ومضى البيان قائلاً إن "المركز إذ يعلن استياءه من مثل هذه المحاولات التخريبية، التي أساءت إلى مصر وسمعتها وضيوفها الأجانب والعرب والتي نقلتها بعض الفضائيات العربية على الهواء، إلا أنه يؤكد على نجاح أعمال الملتقى ويدلل على أهمية ما نقوم به من مجهودات في إطار الإصلاح الديني، ويعطي دافع جديد لتنظيم ملتقيات ومنتديات مماثلة في القريب العاجل.

واختتم البيان قائلاً إن "المركز سوف يقوم بتنظيم مؤتمر صحافي آخر قريبا للرد على استفسارات والصحافيين ووسائل الإعلام الجادة حول فعاليات الملتقى الأول عن الإسلام والإصلاح ، وسنوافيكم بتاريخه في حينه.

فعاليات المؤتمر

وكان المؤتمر الذي انعقد بمقر مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية قد اختتم أعماله بالدعوة إلى تنقية التراث الديني، واعتماد النص القرآني مرجعية حاكمة وحيدة لبقية مصادر التراث الديني الإسلامي، وسط توقعات بأن تثير هذه الدعوة التي تضمنتها توصيات المؤتمر جدلاً واسعاً، كما هو حال الكثير من فعاليات المركز الذي يرأسه إبراهيم، وبدت بوادر ردود الفعل في هذه الممارسات التي قام بها "البلطجية" مجهولي الهوية الذين عاثوا فساداً في المكان على نحو غير مسبوق، ما يثير مخاوف من شيوع هذا السلوك في إفساد الفعاليات العامة.

ومن البداية بدا واضحاً من مجمل العناوين والمناقشات أن هناك محوراً مهماً برز خلال المؤتمر، تمثل في بحث مدى ملاءمة النموذج التركي في الحكم في المنطقة العربية، ومدى جدية الطروحات الديمقراطية التي أعلنتها الاتجاهات الإسلامية خلال الفترة الماضية، وهو الأمر الذي يواجه على خلفيته إبراهيم انتقادات حتى من مؤيديه في التيار الليبرالي، الذين يرون أن الخبرات السابقة والتاريخية المتواترة مع الحركات والجماعات الإسلامية، تنفي إمكانية توافق أدبيات هذه الحركات مع المفاهيم المتعارف عليها للديموقراطية، كما هي مطبقة في دول العالم المتقدم، وأن النموذج التركي ينطلق بالأساس من التزام دستوري صارم بعلمانية الدولة والممارسات السياسية، وهو ما ترفضه الحركات الإسلامية العربية والمصرية أساساً.

وتواصلت على مدى يومين أعمال المؤتمر الذي عقد برعاية كل من مركز (سابان) لدراسات الشرق الأوسط التابع لمعهد (بروكنغز) ومركز دراسات الإسلام والديموقراطية في واشنطن ومنبر الحوار الإسلامي في لندن، حيث شارك به باحثون من عدة دول، يأتي في مقدمتهم جمال البنا (مصر)، د. سيد القمني (مصر)، فابيولا بدوي (مصر)، عبدالحميد الأنصاري (قطر)، محمد شحرور (سورية)، شريفة مكارندس (الفلبين) صلاح الدين الجورشي (تونس)، وعبد الله علي صبري (اليمن)، رضوان المصمودي (الولايات المتحدة)، ونجاح كاظم (العراق).

وناقش المؤتمر عدداً من الدراسات وأوراق العمل بشأن سبل الإصلاح في الدول الإسلامية، وإمكانية مشاركة الجماعات الإسلامية في العملية الديموقراطية ومدى العلاقة بين السياسة الخارجية الأميركية وبراعم الجماعات الديموقراطية في العالم الإسلامي, وطالب في توصياته بإعادة صياغة نسق جديد للفكر الإسلامي، والتصدي لأفكار المؤسسات التي تحتكر الحديث باسم الدين، ومواجهة وتفنيد أفكار التيارات الدينية المتطرفة الناشطة على الساحة، وقد اعتبر المؤتمر المشاركين فيه نواة لجيل جديد من الإصلاحيين في المنطقة، وتم الاتفاق على أن يلتقوا مرتين سنويا لمتابعة تنفيذ التوصيات التي خلص إليها المؤتمر.

وفي كلمته وصف سعد الدين إبراهيم أهداف برنامج الإصلاح، بأنها "ترمي إلى تأكيد فتح باب الاجتهاد على مصراعيه والعمل إبقائه مفتوحاً، وهو ما يعني ـ بتقدير إبراهيم ـ الدفاع عن حرية التفكير وحرية التعبير، ليس في أمور الدين فحسب، بل في أمور الدنيا أيضاً، فالحرية لا تتجزأ وتأكيد أن المجتهدين لابد أن يختلفوا لكنهم يحترمون هذا الخلاف، ويلتزمون إدارته بالحكمة والموعظة الحسنة من دون تجريح أو تكفي لآخرين"، على حد تعبير الناشط الحقوقي والأكاديمي المثير للجدل.

وقبل نحو شهرين عقد معهد (بروكينغز) ندوة بالولايات المتحدة تحت عنوان "الولايات المتحدة والعالم الإسلامي" أكد خلالها "ضرورة اهتمام جميع مراكز البحوث والناشطين في قضية التجديد الديني الإسلامي بمواصلة جهودهم في ضوء المتغيرات التي أفرزتها مرحلة ما بعد الحادي عشر من أيلول على العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي".

ودعا المشاركون إلى تعزيز الحوار بين العالمين العربي والإسلامي والمجتمعات الغربية، وإقرار ذلك كوسيلة للتعامل مع الآخر غير المسلم تأكيداً على مبدأ التعاون والتعايش السلمي بين كل الحضارات والاستعانة بالجاليات الإسلامية الموجودة بتلك البلدان كجسور للتواصل.

تجدر الإشارة إلى ان السلطات المصرية كانت قد اعتقلت د. سعد الدين إبراهيم، وعددا من العاملين بالمركز والمتعاملين معه في حزيران (يونيو) من العام 2000 ووجهت له أربعة اتهامات أساسية أولها الاتفاق الجنائي مع أربعة من العاملين بالمركز لرشوة عدد من موظفي التلفزيون ووزارة الاعلام لعمل دعاية للمركز، والثاني قبول منح من الاتحاد الأوروبي تصل الى 260 الف يورو بالمخالفة للأمر العسكري عام 1992، كما اتهمت إبراهيم بأنه أذاع عمدا شائعات كاذبة وبيانات مضللة تتعلق ببعض أوضاع مصر الداخلية من شأنها إضعاف هيئة الدولة، وأخيرا النصب والاحتيال على الاتحاد الاوروبي من خلال تزوير محررات رسمية وشبه رسمية لتبرير الدعم الذي حصل علي المركز وهيئة دعم الناخبات، وقد حصل على البراءة من كافة التهم بعد جولات قضائية ظل خلالها مسجوناً بموجب حكم قضائي، حتى قضي ببراءته من محكمة النقض وهي أرفع المحاكم المصرية.