نبيل شرف الدين من القاهرة: في تطور جديد لقصة اتهام أحد قادة الحزب الوطني (الحاكم) في مصر، بالضغط على بعض المسيحيين ليشهروا إسلامهم، وتهديد أحد الكهنة بأنه إذا لم يستجب لمطالب المسيحيين بمحافظة أسيوط (في صعيد مصر) سيوزع بيانا على أبناء الكنيسة يدعوهم فيه إلى "انتزاع حقوقهم بأيديهم"، فقد صرح رجل الأعمال المصري عدلي أبادير رئيس المؤتمر الدولي الأول لأقباط المهجر، لشبكة (إيلاف) الإخبارية في اتصال هاتفي، بأنه بعث رسالة إلى نجل الرئيس المصري جمال مبارك، بصفته رئيساً لأمانة السياسات في الحزب الوطني (الحاكم) في مصر، بشأن ما وصفه أبادير بتورط أمين الحزب بأسيوط محمد عبد المحسن صالح في أنشطة "الأسلمه القسرية للمواطنين المسيحيين بالمحافظة"، وتلقت (إيلاف) نسخة من هذه الرسالة التي جاء فيها "إننا أقباط المهجر نستنكر هذا العمل اللاأخلاقي، ونتطلع إليكم بصفتكم رئيس لجنه السياسات بالحزب الحاكم ومسئولون عنه، ونطالب بوقف محمد عبد المحسن عن أداء مهامه، وبدء تحقيق فوري وعادل، بحيث يكون عبرة لمن تسول إليه نفسه العبث بمصر ووحدة شعبها، معتبراً أن "وجود مثل هذا الشخص بين أعضاء الحزب الوطني (الحاكم) من شأنه الإساءة إلى صورة مصر ووحدة نسيجها الوطني .

ومضى أبادير ـ وهو رجل أعمال بارز يقيم في مدينة زيورخ السويسرية منذ عقود مضت ـ قائلاً في رسالته إننا "أقباط المهجر ننتظر من سيادتكم سياسة حكيمة محايدة وعادلة، لا تعرف المحاباة أو التمييز، ونأمل أن لا نخذل في أملنا هذا، وألا تتكرر أحداث الكشح، وأضاف قائلاً إننا مازلنا نصر على أن تمسك مصر زمام هذه الأمور بيد أبنائها، وأن تتخذ كل الإجراءات الكفيلة بحماية أبناء مصر من الأقباط" .

وكانت تقارير صحافية محلية في مصر، قد تحدثت عن اتهامات متبادلة بين محمد عبد المحسن صالح أمين عام الحزب الوطني (الحاكم) في محافظة أسيوط، والقمص بانوب كاهن كنيسة الملاك ميخائيل، بتورط الأول في ممارسة ضغوط على المسيحيين من أبناء محافظة أسيوط، في صعيد مصر، بإشهار إسلامهم، مستغلاً في ذلك نفوذه كأكبر مسؤول حزبي في الإقليم، الذي يعد عاصمة لصعيد مصر، ويتسم بوجود نسبة كبيرة من المسيحيين، بينما وصف صالح هذه الاتهامات بأنها "مجرد شائعات باطلة لا تعرف للحقيقة طريقاً"، في ما اعتبر القمص بانوب أن هذا الأمر "بدأ يتخذ منحى خطيراً منذ سنوات في أسيوط، واتجهنا إلى كثير من المسؤولين ومنهم رئيس الوزراء والوزراء ولم يستمع إلينا أحد"، وجدد اتهامه للمسؤول الحزبي الذي سبق له أن اصطدم إلى حد التراشق بالتصريحات عبر الصحف مع وزراء داخلية سابقين إبان المواجهات الدامية بين السلطات والجماعات الأصولية المسلحة التي كانت أسيوط واحدة من أخطر البؤر التي تنشط فيها، وبينما أبعد هؤلاء الوزراء في ظروف سياسية مختلفة، ولأسباب شتى، فقد تمكن صالح من الاستمرار في منصبه الحزبي، وتحول عبر عقود إلى مركز نفوذ يحسب له المسؤولون المحليون ألف حساب، وقال القمص بانوب إن صالح وأشخاصا آخرين ـ لم يحددهم صراحة ـ يقابلون حتى المجرمين ويقولون لهم إنهم سيحصلون لهم على أحكام بالبراءة مقابل إشهار إسلامهم"، حسب تعبيره .

لغز الفتاة
ومضى الكاهن القبطي الشهير في أسيوط قائلاً إن هناك قصة معروفة في أسيوط، وصفها بأنها كانت كالقشة التي قصمت ظهر البعير، عن إسلام فتاة مسيحية، قائلاً إن "هذه الفتاة تعرضت إلى العديد من الضغوط، وغيروا عمرها إلى سن 21 سنة حتى تخرج من سلطة أبيها وفق القانون المصري، وقد أسلمت الفتاة وتزوجت من شاب مسلم"، مضيفاً أن "إسلام الفتاة لا يؤثر فينا، وإنما المؤثر فعلا هو أن تجبر على الإسلام مقابل وضع معين، أو تحت ضغوط أو مغريات" لافتاً إلى أن "هذه ليست أول فتاة يفعل بها هذا الأمر"، وأن هناك أشرطة كاسيت منتشرة تؤكد هذه الاتهامات للمسؤول الحزبي وآخرين، حسب تعبير الكاهن .

وفي الجانب الآخر من القصة رد محمد عبد المحسن صالح في تصريحات نقلتها عنه صحيفة (العربي) لسان حال الحزب الناصري المعارض قال فيها إن القصة ليست هكذا، وروى تفاصيل أخرى قال فيها "منذ أيام قليلة جاء لي أحد الآباء المسيحيين واسمه بدر رشدي من قرية درنكة، وهي قريتي، يستنجد بي أن أمنع ابنته من الزواج بشاب مسلم، وعلمت أن الفتاة مصرة على ذلك، بل إنها أخذت الشاب واحتمت بالشرطة في قسم البوليس، وطلبت إشهار إسلامها وإتمام زواجها ممن ترغب به، وعلمت أيضا أن الأب بانوب حاول معها حتى تعدل عن موقفها، لكن البنت أبت ذلك تماماً، وحين وصلت إلى قسم الشرطة مع والد الفتاة ورأيتها متمسكة بموقفها، وعلمت أن الفتاة ليست لديها شهادة ميلاد، فطلبت من ضابط الشرطة المسؤول أن يحرر محضرا ويحول الفتاة من خلاله على مكتب الصحة لتسنينها بسن صغيرة، حتى تأمر النيابة بإعادتها إلى والدها، باعتبارها قاصر ولا يجوز أن تزوج نفسها، وانتهت الحكاية بعودة الفتاة إلى أبيها، وهذا كل ما حدث" حسب ما ورد في رواية المسؤول الحزبي، المحسوب على "الحرس القديم" للحزب الحاكم، وظل خلال سنوات مضت مثيراً للجدل بصداماته السياسية، ومعاركه الصحافية التي خاضها حتى ضد وزراء كبار في الحكومة المصرية آنذاك.

واختتم القمص بانوب تصريحاته الحادة، التي نقلتها الصحيفة ذاتها محذراً من أن "الجهاز الإداري قد عاد إلى مستوى الدولة العثمانية القديمة التي عذبت المسيحيين واضطهدتهم، وأنه على كل فرد أن يأخذ حذره وكل واحد يحل مشكلته بنفسه وبالأسلوب الذي يراه، وسننقل الموضوع من مستوى الكنيسة والسلطة الإدارية إلى المستوى الشعبي، والله أعلم ما مداها، لكن مازلنا نطالب بضبط النفس وضبط الأمور ونطالب بتدخل المسؤولين لوضع حد لهذه التصرفات الخطيرة" على حد قوله، مع الإشارة هنا إلى أن الكاهن ألقى وعظة (خطبة) في الكنيسة المرقسية هاجم فيها أمين الحزب الحاكم بأسيوط، وأكد أن "الكنيسة لن تسكت على هذه المهزلة"، وهو الأمر الذي ترتب عليه تحرك عدة أجهزة محلية ومركزية لتدارك القضية، والحيلولة دون تفاقمها على نحو سلبي.