الديموقراطية الاميركية تظهر امراضها علناً
الحملة الانتخابية طريق المرشحين إلى النضج
الانتخابات الامريكية
بلال خبيز من لوس انجلس:
انه عيد الهالويين. هيلاري رودهام كلينتون في اوهايو تحمس انصارها وانصار الحزب الديموقراطي وتدعوهم للتصويت لصالح باراك اوباما الذي نافسته على الفوز بترشيح الحزب الديموقراطي في معركة حامية الوطيس لم يترك الطرفان فيها مكاناً يمكن ضرب الخصم فيه وايلامه إلا وراوداه. يومها جون ماكين الذي فاز بسهولة نسبية بترشيح الحزب الجمهوري، سخر منهما معاً، حين ظهر في برنامج تلفزيوني quot;استعراض السبتquot; الذي يقدمه الممثل السينمائي بن افليك، حيث طالبهما بالإسراع في حسم النتيجة، لانها طالت كثيراً وهو في سن لم تعد تسمح له بالانتظار طويلاً. كلينتون اليوم في اوهايو تمازح الجمهور: quot;فكرت في ان ارتدي للمناسبة قناعاً مميزاً. اردت قناعاً مخيفاً فعلاً، لذلك فكرت في ان ارتدي قناع جورج دبليو بوش، لكنني تذكرت ان جون ماكين سبقني إلى ارتدائهquot;.
في اوهايو ايضاً، حاكم كاليفورنيا الممثل ارنولد شوارزينغر الذي دعم حملة بوش في العام 2004، قرر دعم جون ماكين، وفي المكان نفسه الذي اطل على الجمهور المحتشد قبل اربعة اعوام مع الرئيس الحالي، اطل هذه المرة مع ماكين. شوارزينغر الذي يرعى مسابقة سنوية لرياضة كمال الاجسام في كولومبس، وهو نفسه كان واحداً من ابطال هذه الرياضة، خطب في الجمهور المحتشد غامزاً من قناة اوباما: quot;في المرة القادمة سوف ادعوه (اي اوباما) إلى اتباع تمارين علنا نفعل شيئاً ازاء ساقيه الهزيلتين، وهو بحاجة إلى تمارين لذراعيه وصدره وكتفيه، انما الاهم من هذا كله، انكم (اي الجمهور) تستطيعون ان تضعوا قليلاً من العضل في افكاره. في المقابل، جون ماكين صلب كالصخرةquot;.

هذان الرجلان اللذان يسخر منهما كلينتون وشوارزينغر هما المرشحان الوحيدان لرئاسة الولايات المتحدة الاميركية، اقوى دولة في العالم، على المستويات كافة، من الاقتصاد إلى التعليم فالتسلح وصولاً إلى الإعلام. مع ذلك ثمة من يسخر منمها علناً، والساخران في هذه الحال ليسا من رعاع الشوارع، انهما على التوالي عضو مجلس الشيوخ عن نيويورك، وهي واحدة من اهم الولايات الاميركية، وحاكم كاليفورنيا اكبر الولايات الاميركية مساحة، واحدى اكثرها شهرة واهمية وامتنها اقتصاداً. مع ذلك لا شيء من هذه السخرية المرة، تجعل من الرئيس المقبل اضعف سلطة واقل قدرة على اتخاذ القرارات. الرئيس الاميركي يبني تجربته الأهم في السياسة في حملته الانتخابية. وغالباً ما يخرج منها اكثر حكمة وصبراً مما كان عليه قبل الشروع في الحملة الفعلية. وبصرف النظر عن النكات التي تلقى على الجانبين، إلا ان المرشح الرئاسي في الحملة الطويلة التي يخوضها، وتضطره إلى دراسة اتجاهات الشعب الاميركي في الولايات الخمسين كل على حدة، يصبح اوسع صدراً واكثر قدرة على التصرف بحكمة. كما لو ان الحملة الانتخابية المضنية والبالغة القسوة تدخله في مطهر لا يخرج منه إلا قادراً على ادارة دفة الحكم وحسن اتخاذ القرارات.

يتعرض الرئيس الاميركي في طريقه إلى البيت الابيض لشتى انواع الضغوط النفسية والبدنية، لكنه في النهاية يكون قد اجتاز اختبار النضج في الطريق إليه. ومن عادة المرشحين إلى هذا المنصب ان يسخروا من خصومهم في شتى المجالات، فالنقد لا يطاول البرنامج والسياسات فحسب، بل يتعداه إلى الشكل والزي والهيئة. على هذا لا تنجو سارة بايلين من حملات التجريح التي تطاول اختيارها لثيابها، والتناقض الصارخ بين ما تريد ان تظهر عليه صورتها بوصفها امرأة اميركية عادية وام لاطفال ترعاهم وتحنو عليهم، وبين المبالغ الطائلة التي دفعتها من اموال الحملة الانتخابية ثمناً لهذه الثياب. ومثلها ايضاً لا تنجو ميشال اوباما زوجة المرشح الديموقراطي من حملات تجريح تصفها كما لو انها امرأة سوداء تلبس وتتصرف كامرأة بيضاء. مما يعني انها تخجل بلونها، على عكس ما تدعيه هي ويدعيه مناصروها.

اثناء الحملات الانتخابية تخرج اميركا، على جاري عادة الانظمة الديموقراطية، كل امراضها إلى العلن. لا يبقى شأن معيب إلا ويتم نبشه من اصوله. وما ان تنتهي فترة الانتخابات حتى تعود إلى ما كانت عليه، امة قوية ومهابة، ويحكمها رئيس يملك بين يديه ما يمكّنه من تدمير الكرة الارضية في ثوان معدودة. هذا الرئيس نفسه، صاحب هذه السلطات الهائلة يكون قبل فترة وجيزة واحداً من الذين يسخر منهم اي كان، لكن السخرية والنقد لا يقللان من احترامه رئيساً ولا يفقدانه مميزاته.
يحضر المرء سؤال في هذا المجال: ماذا عن رؤسائنا المنزهين عن كل سخرية، والذين يظنون انفسهم خلفاء لأولياء الله، والواحد منهم قد يكون حاكماً لبلاد لا تتجاوز في مساحتها اي ولاية اميركية. هل يظن رؤساؤنا ان التسبيح بحمد افعالهم ليل نهار يجعلهم اكبر مما هم عليه في الحقيقة؟