مهما قيل عن الهجمة الأخیرة التي نفذها النظام الإيراني بأكثر من 320 صاروخاً وطائرة مسيرة، ومهما کتب عنها من تحليلات وبحوث، فإن النقطة التي يجب أن ننتبه إليها بکل دقة وإمعان تتجسد في أن هذه الهجمة قد کانت أعلى ما في خيل النظام، وقد قام بها على أمل أن تصبح نهاية المواجهات المباشرة بينه وبين إسرائيل، وأن تعود الأمور بينهما کما کانت قبل استهداف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق.

عند التأمل في الهجمة التي نفذها النظام الإيراني، فإن هناك مؤشران واضحان سعى من خلالهما إلى التأکيد على نيته عدم التصعيد، ورغبته في غلق ملف المواجهة المباشرة. المؤشر الأول، تجلى في أن النظام کشف عن نيته في الهجوم وأعلنها بکل صراحة ووضوح، وهو ما يجعل الهجمة تفتقد عامل المباغتة الضروري جداً في الهجمات العسکرية، والمؤشر الثاني، أنَّ النظام قد أعلن بعد الهجمة عن عدم نيته بالتصعيد وأکد على ذلك بمنتهى الوضوح.

لماذا لا يريد النظام الإيراني التصعيد؟ سؤال بسيط وواضح جداً لکن النظام يريد القفز عليه وتجاهله وتسليط الضوء على جانب واحد فقط وهو حسن نواياه واهتمامه بأمن المنطقة والعالم وحرصه على عدم زعزعته وخروجه عن السيطرة.

إقرأ أيضاً: دفاع مشبوه عن الارهاب في وضح النهار!

عدم رغبة النظام الإيراني بالتصعيد وتوسيع دائرة المواجهة من جراء الحرب الدائرة في غزة لتشمل النظام نفسه، مسألة حرص عليها النظام أشد الحرص، وحتى أکد عليها بل وحتى صار واضحاً بأنه يريد من حرب غزة ذاتها مسألة ذات طابع تحريکي من أجل استخدامه لإنعاش دوره الإقليمي وإشغال الشعب الإيراني به وامتصاص نقمته، إلى جانب جعل المعارضة الإيرانية النشيطة والجدية والمتجسدة في منظمة مجاهدي خلق في موقف صعب ومحرج أمام شعوب العالمين العربي والإسلامي، ذلك أنها تحارب النظام في وقت يواجه هو ووکلاؤه إسرائيل!

إقرأ أيضاً: كيف يمول المجلس آلة الحرب التابعة للنظام الإيراني؟

عدم تمکن النظام من تحقيق أهدافه المنشودة، ولا سيما بعد هجمته الأخيرة، وبقاء الأمور على حالها وافتضاح أمره والأهم من ذلك أن الأوضاع في غزة تخرج رويداً رويداً وبصورة واضحة جداً عن نطاق دوره وتأثيره، وهذا ما يبدو واضحاً جداً في حالة الخمول والانکفاء على النفس کوکلائه من جهة، وفي سعيه المتهافت عبر وسطاء آخرين للتأکيد على عدم رغبته بالتصعيد وميله الشديد للتهدئة، ولکن المشکلة التي يواجهها النظام حالياً، هو أنَّ مکانته في المنطقة بشکل عام قد اهتزت کثيراً وصارت أغلبية الشارعين العربي والاسلامي تنظر بريبة بالغة إلى دوره، کما أنَّ أوضاعه في داخل إيران قد أصبحت على کف عفريت إن صح القول والتعبير، ذلك أنَّ الشعب صار أقل صبراً على النظام، على أثر إقحامه للبلاد في جحيم مواجهة دموية يمکن أن تحرق إيران، وإستمرار الاوضاع على ما هي عليه الآن قد يتسبب في انفجار الغضب الشعبي في جميع أرجاء إيران.