الاب رفعت بدر&
&
&
&
وقف العالم وقفات متباينة تجاه موافقة الرئيس الفرنسي على بعض ما جاء في مقترحات المثقفين المسيحيين والمسلمين واليهود ( والمعروف بتقرير ستانسي ( رئيس اللجنة)). وما يهمنا هو نظرة العالم العربي الذي تباينت فيه وجهات النظر والردود.
فشيخ الأزهر أعلن في ذات اليوم أن هذا القرار، وبخاصة منع الحجاب والصليب الكبير والقلنسوة اليهودية هو شأن فرنسي داخلي، ولا أحد له الحق أن يتدخل بقرار يخص السياسة الداخلية في ذلك البلد. وافق رأي الأزهر العديد من الأفراد أو الجماعات، بينما وقفت العديد من الجهات عكس ذلك مدعين بأن ذلك يسيء وبشكل خاص إلى الإسلام بمنع الحجاب الذي تصاعدت حدة مشكلته في السنوات الأخيرة.
في الواقع أن الدولة الفرنسية، والتي ذاقت الأمرين، على مدى التاريخ بسبب تداخل الدين والدولة، قد أعلنت أنها دولة علمانية، حتى أن رجال الدين المسيحي أنفسهم لا يستطيعون أن يرتدوا اللباس الكهنوتي في الأماكن العامة. رغم أن غالبية السكان هم مسيحيون كاثوليك، وفرنسا كانت تُدعى في السابق الابنة الكبرى للكنيسة الكاثوليكية.
إنها مسألة قوانين دولة علمانية وضعت في العام 1905، ومن تلك القوانين أن لا يجوز للدولة أن تدعم تمويل أي دين أو طائفة أو دار عبادة. والعلمانية في أساسها هي أن تكون حيادية إيجابية تساوي بين جميع الأديان وجميع المواطنين. ومن هنا جاء حظر ارتداء الحجاب مرتبطاً مع حظر ارتداء الصليب الكبير والطاقية اليهودية. انّه تطبيق لمبدأ المساواة، وبخاصة أن الإحصاءات تشير إلى وجود أكثر من 5 ملايين نسمة من المسلمين فوق الأراضي الفرنسية و 1600 مسجد أو قاعة صلاة. فصار على الفرنسيين أن يساووا المواطنين المسلمين مع غيرهم من أبناء الديانتين التوحيديتين اليهودية والمسيحية. أو أن يغضوا الطرف عن كل تجاوز على " الأحكام العلمانية" والتجاوز هو اشهار الرموز الدينية في الدولة العلمانية.
انّ العالم قد تغير، ولم يعد الاختلاف الديني هو الأساس في التعامل. وبالرغم من هذا ما زالت هنالك العديد من الاحتقانات في العالم والحساسيات وهي أن ينظر الواحد إلى " الآخر" من منظار اختلافه الديني. وقد سمعت شهادة من أحد المدرسين الفرنسيين يقول: من واجبي كمعلم عندما أدخل أحد الصفوف للتعليم أن أنظر إلى الطلاب أبنائي- كافة أنهم متساوون دون أن تكون ثمة علامة خارجية تشير إلى اختلاف أحدهم عن الآخر، وبخاصة من ناحية الاختلاف العرفي والديني.
يهمّنا هنا ذكر أن القوانين الجديدة جاءت على لسان الرئيس الفرنسي، ولم يكن أحد من رجال الدين المسيحي عضواً في اللجنة، وبالتالي هي قوانين مدنيّة، ولا ضلع للكنيسة بها. فالكنيسة تدعو إلى الحوار والتعاون بين الديانات ولا تستطيع أن تنشر قوانين تحظر أو تسمح بارتداء الرموز الدينية. وهي تعلم أن ارتداء الصليب بشكل خارجي، أن لم يعبّر عن التزام داخلي عميق لدى المؤمن بإيمانه وأعماله الصالحة، فلا أهمية ولا خير في ارتداء ما يشير الى إيمانه خارجياً. المهم هو باطن الإنسان لا مظهره.
أمّا بخصوص الموقف الكنسي الرسمي حول القوانين والأحكام الجديدة، فجاءت على لسان المطران جان بيير ريكارد وهو رئيس مجلس الأساقفة في فرنسا فقال: أن الدولة هي علمانية. وهذه الحيادية فيما يختص بالدين هي أحدى أسس الديمقراطية الحديثة. ولكن عليها أن تترافق بضمانات حقيقية لصون الحرية الدينية وحرية أداء الشعائر للمواطنين أجمعين. وعلى الدولة أن تؤمن البعد الإجتماعي والمؤسسي لأية ديانة فوق أراضيها. وأن تراعي تقديم ذات الإحترام لجميع أتباع الديانات. ولكنني (والكلام للمطران) لا أظن أن تشريع قانون كهذا سيضمن بشكل عجائبي اصطدامات أو اشكالات في المستقبل، انّ العلمانية هي قبل كل شيء فنّ العيش المشترك، المغذّى بالخبرة والممارسة، انّ تشريع قانوني لا يكفي، الأهمية الاولى هي للتربية وللمثل الصالح المعطى من قبل الكبار في احترام الناس كافة".
خلاصة الأمر أن سنّ القوانين هو من حق دولة علمانية أن تعلنه. المهم هو باطن الإنسان المؤمن، والمهم من جانب الدولة هو ضمان الحرية الدينية واحترام معتقدات الأقليّات وطقوسها داخل حدود الدولة. وأنني لا أرى في الأمر انقضاضاً على الإسلام والمسلمين، بل هو " نصر" إذا صحّ التعبير للمسلمين في الحصول على تأكيد من رئيس دولة من كبريات الدول الأوروبية، بأنهم متـساوون أمام القوانين مع أبناء الديانات الأخرى ومع غالبية السكان. ففي المجتمعات الديمقراطيّة، المواطنة أوّلا، وإذا اتفق على هذا المبدأ، زالت العراقيل جميعها.