مما لا شك فيه بأن الإيمان بالذات الإلهيه هو جوهر الأديان السماوية الثلاث.. وإن تباينت في تعاليمها من دين إلى آخر ولكن العامل المشترك الأكبر بينها.. أن في كل منها آيات تناقض بعضها البعض.. فبينما نجد آيات واضحه تدعو لقيم المحبه والحريه والإخاء والمساواة نجد في ذات الوقت آيات أخرى تناقضها تماما وتتعارض مع سابقتها.. وتتشارك كلها بقصص أسطورية عن الأنبياء وتفسيراتهم عن الغيبيات التي لم يستطيعوا تفسيرها آنذك مثل الشمس والبرق والرعد والهزات الأرضيه وغيرها من الظواهر الطبيعيه التي لم يكن العقل البشري قد وجد لها تفسيرات منطقيه أو معرفيه.. في ذلك الزمن السحيق والذي لا يمت بصله لعصر المعرفه والعلم الذي نعيشه..
ففي التعاليم نجد الكثير من التشابه فتعاليم الدين اليهودي لا تختلف كثيرا عن تعاليم الديانه الإسلاميه في موضوع العبادات كما في الصوم والزكاة والصلاة..

أيضا تتلاقى الديانتان كثيرا فيما يتعلق بحقوق المرأة. وكما يؤكد العديد من الكتاب والباحثين في كتب التراث فإن معظم التشريعات الإسلاميه الخاصة بالمرأه مأخوذه عن اليهودية حيث نجد في الوصية الخامسة والخاصة بالأسرة تعطي الرجل (الأب) السلطه المطلقه على أفراد أسرته.. مثل بيع إبنته القاصرة أو تزويجها قبل سن البلوغ.. وتطليقها إن عصت الشريعه اليهوديه ومشت عارية الرأس حيث عززت فكرة الحجاب.. أو تحدثت إلى غرباء خاصة المتزوجون منهم..وتأمرها بطاعة الزوج وحقه في تأديبها بالضرب.. والرجم كعقاب للزنا.. ولكن حكماء اليهود وعقلائهم نجحوا في نسخ وطمس العديد من تلك التشريعات للمحافظة على صورتهم.. ولكنهم أضافوا إليها فكرة أرض الميعاد التي أحياها هيرتزل.. وتمسك بها اليهود في كل أرجاء الأرض حماية لهم ومن أجل إستمرارية وحماية الدولة الإسرائيليه..


أيضا ساهمت المسيحيه في إضطهاد المرأه في فكرة الخطيئه الكبرى وتحميلها مسئولية هذه الخطيئه في الأرض.. حيث أقرت الكنيسة في الماضي تنازل المرأه عن إسمها وممتلكاتها وشخصها.. إضافة إلى حرمانها من الحق في الشهاده والميراث ففي عصر هيمنة الكنيسه لم تكن التعاليم أقل صرامة أو قسوة من تعاليم الإسلام كما نراها اليوم حيث تدخلت الكنيسه في كل شيء ولم تترك أي مجال للتفكير والابداع، بل وحظرت على التفكير حين كانت لديها الأجوبة الجاهزه..

رغم ما نادى به المسيح من الرأفة بالمرأه حين قال..quot;quot; من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر quot;quot; ولكن يبدو أن هذه التعاليم لم تفهم بالطريقة إلإيجابية المقصوده وطغت تعاليم اليهوديه على الهدف الرئيسي لمقولة المسيح بحيث إتبعت الكنيسه التعاليم اليهودية في ما يخص المرأه واستمر الأخذ بهذه القوانين حتى العصر الحديث...


الحقائق السابقه لا تترك مجالا للشك بأن الديانات الثلاث إحتقرت المرأه وقللت من قيمتها المعنوية وأهملت حقوقها الإنسانية.. وكل ذلك مبرر من خلال الآيات الربانية ومدى الإيمان بهذا الدين أو ذاك مما ومن الطبيعي أن يدفعنا إلى التفكير العقلاني والمنطقي بأن لا نغالي في ادانة دين وانصاف اخر فكلها متشابهة بالنسبة للايمان والعبادات ودرجة الالتزام بعلم الغيب..


ولكن منظري هذه الأديان الثلاثة وفي مواجهتهم للأفكار العلمية التي تحد من هيمنة التفسيرات الغيبية.. وتحت شعار حوار الأديان. يحاولون الظهور بمظهر أكثر ترابطا للحفاظ على مصلحتهم جميعا في حماية هيمنتهم وسيطرتهم على عقول أتباعهم.. الفرق هنا هو نجاح الغرب في فصل الدين عن الدوله وفي إعطاء الحرية التامة للمواطن في مدى تمسكه بالشعائر الدينيه والقيام بها أم لا، بينما يتخبط الإنسان العربي بين مدى قيامه بهذه الشعائر وأفكار متعدده ومتضاربه لا يعرف أي منها ستحقق له آماله وأحلامه بينما يتلاعب بعقله رجال الدين بفتاويهم.. لتبقى إنتاجيته محدوده يدور في دائرة مغلقة من الفقر والتخلف..


وتختلف أهداف محاوري الأديان.. فبينما الهدف الرئيسي للغرب هو خوفه من التطرف الإسلامي.. والهدف الرئيسي للمحاورين الإسلامين تبييض صورة الإسلام أمام العالم..يبقى هدف الأنظمه العربيه في القضاء على التطرف الراديكالي المحافظة على عروشهم..


ما يحزنني وأنا أكتب هذا المقال.. هو التراجع الكبير الذي أشهده وأقرأوه لقيم ألأخلاق المستندة إلى قيم الحرية الفرديه والتي ومن المفروض أن تنتهي حين تمس حرية الآخر.. والعدالة التي ومن المفروض أيضا أن لا مجال فيها للمحسوبيه.. ثم المساواة المفقوده بين جميع المواطنين.. هذا التراجع الذي فتح الباب على مصراعيه للفكر الإسلامي الأصولي لإعادة إنتاج أفكار تؤكد على إختلاف المسلم عن المسيحي.. وتنادي على صلاح الدين لينهض من قبره ليساعد في تحرير القدس. وآخرون ينادون ويؤمنون تماما بعودة المهدي المنتظر ليخلص البشرية من المظالم التي يعيشونها...


وإستثمار رجال الدين لهذه الأفكار لأسلمة المجتمع في العبادات التي لا تنتهي وتستهلك وقت وطاقة الإنسان.. بدل إستثمار هذه الطاقه في حثه على الإبداع والعمل لتحسين وتطوير الإنتاجيه.. بحيث أصبح الفقر والجهل والتخلف هما أسياد البيوت والعقول في المنطقه العربيه.. فالفقر يوفر المناخ الملائم لبث سموم الإسلام السياسي. والفقر أيضا يوفر المناخ المناسب لقبول دعاية الإسلام السياسي عند الفقراء حيث يملؤهم فقهاء الإسلام السياسي بأن هذا الفقر هو عقاب من الله.. أو إختبار منه لمدى إيمانهم.. ويعيشون على أمل واحد منتظرين ثواب عباداتهم التي لا تنقطع بأن تنقذهم العناية الإلهية بخيرات تنزل من السماء مكافأة على تقواهم..أو أن تميتهم ليدخلوا في جناتها بأعمالهم الصالحه.. بينما هم غارقون في حياتهم اليوميه في عمليات الغش والخداع والرشوة وفساد القلوب.. بدلا من إحياء قيم العمل.. والأخلاق.. التي أصبحت المجتمعات العربية بحاجة لكليهما على قدم المساواة للخروج من مستنقع التخلف الذي يحفره فقهاء الدين والظلام..


وبرغم أن ثراء البلدان الخليجيه الذي حصل فجأه وبدون جهد أقنع العديدون بأنه منحة من السماء لإيمانهم..إلا أنه لم يؤد إلى رقيها الحضاري أو خروجها من سيطرة الفكر الغيبي وفقهاء الدين. ولكن ومما لا شك فيه بأن الثروة النفطيه ساهمت في تحسن الوضع المعيشي كما وأن التعليم العالي والخروج من دائرة المنطقه والتعامل مع العالم في مواطنه الأصليه أدى إلى تطور الوعي لدى الجيل الجديد من شباب وشابات يعملون وإن كان ببطء نوعي على تغيير وتطوير المجتمع وتحدي التقاليد..وتحدى سيطرة فقهاء الدين وفتاويهم.. وهي حاله لا تنطبق على بقية دول المنطقة العربية الغارقه في زيادة سكانية لا حد لها مما يحد من فرص النمو الإقتصادي ويتركها غارقه في الفقر..ومستنقع الجهل وتتخبط الأنظمة في كيفية عمل توازن ما بين بناء اسس مجتمع تسمح له بالتطور وزيادة إنتاجية الإنسان للخروج من دائرة الفقر ليستطيع أن يحيا حياة كريمة من الناحية الاقتصادية.. والمحافظة على الأفكار الدينيه الإيجابيه التي تدعو إلى قيم الحريه والعداله والمساواة بدون تهديد لبقائها وإستمراريتها.. بينما هي ذاتها تغرق الإنسان العربي بالإستبداد والفساد والرشوة والنصب والتزوير حين لم تستطع كفالة حقوقه..وتتعاطى هي ذاتها بنفس هذه السلبيات من فساد ورشوة ونصب وتزوير على مدى أوسع من مواطنها..


الحل الوحيد لهذه المعضله ولإحداث ثغرة أمل في هذه الدائرة المحكمة الإغلاق..هو في تدّخل الحكومة لإجبار رجال الدين على تغيير مسار خطابهم الديني لفترة زمنيه محدده تطول أو تقصر تبعا للفترة الزمنيه التي يحتاجها المجتمع للخروج من الدائره.. خلالها يتغير دورهم وخطابهم إلى حث المواطن الإنسان على العمل لزيادة إنتاجيته وإحترام قيمة إي عمل..وتأسيس مبدأ المساواة بين المواطنين وبين المرأه والرجل.. وإيقاظ الضمير الإنساني لدى الأفراد بدلا من غرس الأفكار الغيبيه والتطويع والقبول وقتل الحس الإبتكاري لدى الفرد بالمغالاة في العبادات.. إلى أن يصل المجتمع إلى اللحظة الحاسمة للخروج الطوعي من سيطرتهم على فكره.. وذلك بالوقوف الصريح المستند إلى الصدق والتصالح مع النفس لإلغاء تحكمهم في العقل البشري ومواجهتهم في تفسيراتهم اللا منطقيه واللا معقوله.. في عالم مفتوح يستند إلى الإنسانيات ولم يعد يعنيه الدين إلا كظاهرة تاريخيه..


سيدي القارىء.. نعم من حقنا بل وواجبنا تجاه الأجيال المقبله أن نفتح هذه الصفحه.. صفحة نقد الفكر الغيبي.. ونقد الأديان جميعها للخروج من ظلامية الفكر الديني.. إلى مجتمع منتج يستند إلى قيم الأخلاق والفضيله.. فهذا المجتمع أفضل بكثير من مجتمع متدين بلا أخلاق وبلا إنتاج.. تطوير البنيه الإنسانيه التحتيه في المنطقه العربيه أصبح ضرورة ماسه تبدأ من البيت... وتنتهي بفصل الدين عن الدوله لإرساء قواعد الديمقراطية السياسيه.. التي تضمن التطور المجتمعي وتؤسس لقيم الحرية والعدل والمساواه كقيم عالميه لا تختلف بإختلاف الدول أو الأفراد..


في ظل المعرفة العلمية التي أوصلت العالم مؤخرا لإكتشاف أن القمر لديه كميات كبيره من المياه..من المخجل والمعيب لنا كبشر أن نسلم فكرنا لفقهاء الظلام.


باحثه وناشطه في حقوق الإنسان