هناك مفاهيم ومقاييس أخلاقية لم تختلف عليها البشرية منذ أقدم العصور، لأنها أساسيات و بديهيات لا تحتمل الخلافات أو التأويل، تماما كطلوع الشمس من الشرق ومغيبها في الغرب. وكأمثلة من سلوك البشر يمكن القول أنّ القاتل قاتل، سواء قتل شخصا واحدا أم عشرات من البشر، فلا يوجد قاتل مجرم و قاتل شريف. وكذلك السارق سارق حسب الفعل الذي تمّ ارتكابه، سواء ارتكب سرقة بقيمة مليون دولار أو بقيمة عشرة دولارات، إذ لا يمكن إدانة سارق المليون وحده، بينما يمكن الدفاع عن سارق العشرة دولارات، على اعتبار أنها مبلغ ضئيل للغاية لا يستحق مرتكبه صفة السارق، فالمعيار هو نوع وطبيعة العمل وتصنيفه حسب ما تعارفت عليه البشرية، والأساس هو حدود حرية الشخص ومدى احترامها ومراعاتها لحرية ألآخرين، وفيما يتعلق بالدولة مدى احترامها للدول الأخرى حدودا وشعبا، بعكس مفاهيم وتسميات ما قبل الميلاد، حيث كان الحاكم (اللص) الذي يستولي ويحتل العديد من البلدان، ويقهر ويذل ويصادر حرية العديد من الشعوب، يقابل بالتبجيل ويسمّى (إمبراطورا)، بينما الشخص العادي قائد سفينة في البحر، إذا تعرض لسفينة أخرى وسرقها، قوبل بالاستنكار والاحتقار وسمّي (قرصانا). وبنفس المقياس الأخلاقي الذي يتجاوز مفاهيم ما قبل الميلاد هذه، وتأسيسا على أن نوع الفعل واحد بغض النظر عن هوية مرتكبه، أستطيع القول أن الاحتلال احتلال، فلا يوجد احتلال جميل نصفق له ونحيي المحتل الذي ارتكبه، واحتلال قبيح مجرم نستنكره ونقاومه. وانطلاقا من هذه المفاهيم الإنسانية الأخلاقية أدانت الدول العربية احتلال صدام حسين لدولة الكويت عام 1990، ولم يشفع له أنه حاكم عربي، بالعكس كانت فعلته تلك أكثر إجراما لأنه حاكم عربي احتل دولة عربية.
وضمن نفس السياق يتم إدانة الاحتلال الإسرائيلي سواء في فلسطين أم الجولان السورية أم مزارع شبعا اللبنانية، واحتلال أسبانيا لمدينتي سبتة و مليلة المغربيتين، واحتلال إيران للأحواز العربية والجزر الإماراتية الثلاثة، وكذلك احتلال تركيا للواء الإسكندرونة السوري مع ملاحظة أن النظام السوري في عهد الرئيس حافظ الأسد، وافق رسميا على ترسيم الحدود مع تركيا بوضعها الحالي، أي أنه اعترف بشكل رسمي أن لواء الإسكندرونة أرض تركية، وتمّ حذف كافة المقررات المدرسية والجامعية التي كانت تنصّ على أنّ لواء الإسكندرونة أراض سورية محتلة، وكذلك أدبيات حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم، وكافة التشكيلات القومية العربية مثل المؤتمر القومي العربي، والنقابات العربية ذات التوجه القومي، كلها لا تطرح موضوع لواء الاسكندرونة كأراض عربية محتلة، ورغم أن هذا خلل كبير في الموقف العربي، إلا أنه يخص أهله من النظام السوري و تلك التشكيلات والتجمعات العربية، وهذا لا ينقض مقولة أن الاحتلال احتلال أيا كان مرتكبه و أيا كانت الأرض التي تمّ احتلالها.
ملالي إيران: سوء تفاهم أم إحتلال؟
هذا النظام الإيراني يمارس غطرسة وعنجهية لا مثيل لها خاصة إزاء جواره العربي،رافضا الرضوخ لمنطق العصر الذي يرفض الاحتلال أيا كان نوعه والدولة التي تمارسه. ويثبت هذا النظام يوميا كذبه ونفاقه ودجله، فهو يطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ويتوعد بتدمير إسرائيل، وفي الوقت ذاته يستمر في احتلاله لأراض عربية منذ عام 1925 أي قبل احتلال فلسطين بربع قرن، وهذا الاحتلال بالنسبة له مجرد سوء تفاهم..هل تصدقون ذلك؟ إذن انتظروا واقرءوا الدليل على دجل هذا النظام الذي يمارس الكذب والتضليل!!
أثناء زيارة وفد المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي إلى موسكو برئاسة رئيس المجلس عبد العزيز الغرير في العشرين من مايو الماضي، تلبية لدعوة من البرلمان الروسي (الدوما)، أبدت وزارة الخارجية الروسية تفهما واضحا للموقف الإماراتي من قضية الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران منذ عام 1971، وثمّنت الخارجية الروسية العقلانية الإماراتية وإصرارها على إتباع الأسلوب السلمي في إنهاء هذا الاحتلال، وأبدت استعدادها بناءا على طلب وفد المجلس الإماراتي القيام بدور الوسيط لإقناع إيران التي تربطها علاقات جيدة مع موسكو بضرورة الاعتراف بوجود مشكلة قائمة بين الإمارات وإيران بشأن الجزر الثلاثة المحتلة.
وقد نقل التلفزيون الإيراني على الفور تصريحا للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية محمد علي الحسيني، أعلن فيه رفض بلاده لأية وساطة روسية، معلنا quot; أن العلاقات بين إيران والإمارات العربية المتحدة في أفضل مستوى لها، وإذا كان هناك سوء تفاهم فإنه يمكن حله عبر مباحثات ثنائية دون ما حاجة إلى تدخل أطراف أخرى quot;.
رد إماراتي واضح وجريء
وردا على هذا التضليل الإيراني، قال مسؤول في وزارة الخارجية الإماراتية يوم الثلاثاء الموافق السابع والعشرين من مايو الماضي: quot; الجانب الإيراني لا يريد الفهم على ما يبدو. ليس هناك سوء تفاهم بيننا وإنما هناك احتلال فعلي، لا توجد أراض محتلة أكثر قدسية من أية أراض أخرى. الاحتلال هو الاحتلال سواء كان إسرائيليا أم إيرانيا أم من أية دولة أخرىquot;
والغطرسة الإيرانية هذه سبق أن مورست مباشرة بعد القمة العربية الأخيرة التي عقدت في الثامن والعشرين من مارس 2008 في دمشق، وكان مدعوا لها وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي، الذي بادر لعقد مؤتمر صحفي علني عقب انتهاء القمة، ليعلن فيه رفض بلاده لإشارة القمة العربية إلى الجزر الإماراتية المحتلة، رغم أن القمة أكدت على ضرورة حل مشكلة احتلالها بالطرق السلمية التي تحرص عليها دولة الإمارات العربية دوما. والمدهش في هذه الغطرسة الإيرانية أن وزير الخارجية الإيراني المدعو للقمة العربية رسميا من النظام السوري، لم ينتظر لحين عودته لبلاده بل عقد مؤتمره الصحفي المذكور في العاصمة السورية دمشق دون أن يصدر أي احتجاج أو تعليق من مضيفه السوري.
نظام توسعي احتلالي لا يطمئن له
إزاء ذلك لا يمكن تصديق نظام الملالي الإيراني في كافة ادعاءاته بدعم المقاومة الفلسطينية، فهو يمارس شعارات غوغائية يضحك من خلالها على الجماهير العربية العاطفية، فلا يمكن تصديق اللص الذي يدّعي الشرف، وكما قال الشاعرالعربي:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
وبالتالي فإن عار النظام الإيراني عظيم بكافة المقاييس، فهو ينهى عن فعل الاحتلال، ويمارس الاحتلال ذاته لأراض عربية، تصل غطرسته وتضليله أن يعتبر احتلاله هذا مجرد سوء تفاهم، فهل يقبل أحد أن يكون الخلاف حول الاحتلال الإسرائيلي مجرد سوء تفاهم. لا...وألف لا...فكما قلنا مرارا وكما قال المسؤول الإماراتي : quot; الاحتلال هو الاحتلال سواء كان إسرائيليا أم إيرانيا أم من أية دولة أخرى quot;. فهل يفهم ملالي إيران الطغاة أنهم يحتلّون أرضا عربية يجب أن يندحروا منها وعنها.
[email protected]
www.dr-abumatar.com