لا مكان بعد الآن لهجمات المتطرفين على (غصب 1)
إم بي سي تفوز بـصفقة طاش ما طاش

سيف الصانع من دبي: فاز مركز تلفزيون الشرق الأوسط (إم بي سي) بصفقة تلفزيونية مهمة وهي حق عرض المسلسل النقدي الاجتماعي الشهير (طاش ما طاش)، وقالت مصادر المحطة التي تبث من دبي إن العقد مدته خمس سنوات، بقيمة عشرة ملايين ريال سعودي (حوالي ثلاثة ملايين دولار). وكان التلفزيون السعودي المملوك للحكومة خسر العقد وذلك لأول مرة من انطلاق المسلسل الذي تبث أيضًا قنوات عربية كثيرة، فهو يعتبر من المسلسلات الأكثر مشاهدة في العالم العربي. يشار إلى أن التلفزيون السعودي واجه ضغوطا هائلة من الجماعات المتشددة التي تحاول منع عرض المسلسل ، إذ في كل عام تقريبًا وخاصة في شهر رمضان تثار زوبعة محلية سعودية حول مسلسل (طاش ما طاش) الذي يعني بالنقد لكثير من الممارسات الخاطئة في المجتمع سياسياً ودينياً واجتماعياً، ويعرض ذلك كله في قالب كوميدي فريد، حتى لقد أصبح هذا المسلسل جزءاً من بيئة رمضان المحلية يهفو الناس لمشاهدته وينتظرونه بعد كل إفطار، ليس في المملكة العربية السعودية وحسب بل في البلدان العربية الأخرى.

وحفلت الزوابع المستمرة حول المسلسل الشهير بكتابات من الصحافيين ورجال الثقافة السعوديين وزملائهم العرب، وقال أحد الكتاب السعوديين "الزوبعة التي تثار تعني أولاً نجاح المسلسل في ملامسة التابو المحلي في كل مستوياته الزائفة، ولكن الذي أجج الحملة في السنوات الأخيرة هو شعور بعض التيارات المحلية بخطر كبير من هذا البرنامج، يقولون انه برنامج يهدم الدين ويسخر بأحكامه ويشوه المجتمع ويسيء للأخلاق، ولكنك عند التدقيق لا تكاد تجد شيئاً من ذلك، فمن ذا الذي يريد هدم الدين أو السخرية بأحكامه وكل القائمين على المسلسل من أبناء المسلمين ومن ذا يشوه نفسه!، بل ان التلفزيون السعودي يمنحه أفضل أوقات العرض التي تتهافت على العرض فيها كل البرامج الساعية للنجاح والتأثير، والتلفزيون السعودي محافظ بطبيعته وسياسته المعلنة والمطبقة، ولا أحسب ان بالامكان المزايدة عليه في هذا الجانب وبهذا الشكل".

وأمام ضغط المتشددين، فإن التلفزيون السعودي الرسمي لقاء صفقة عرض المسلسل، يحاول تغطية خسارته يحاول التلفزيون تعويضها بالتفاوض لعرضه بعد دقائق، من عرضه على (إم بي سي) لكن التلفزيون لا يستطيع دفع المبلغ المجزي، حسب ما ذكرته بعض المصادر.

وقالت مصادر إعلامية سعودية أمام (إيلاف) إن هجرة (طاش ما طاش) إلى دبي المجاورة ستؤدي إلى عدم قدرة المتشددين على التاثير عليه، ومن غير المستبعد أن يشنوا هجمتهم الضارية عليه مستقبلا كونه يأتي عبر فضاءات أخرى ليس لهم عليها سيطرة، حيث دأبوا لسنين خلت على محاولة إحراج وزارة الإعلام، وبالتالي وزيرها.

وتضيف المصادر قولها إنه إذا كان للمتشددين فضل على مسلسل طاش ما طاش في إشهاره وتسويقه نتيجة سوء تقديرهم، فإن الوزير الجديد إياد مدني بدأ يتلقى سيلا من هجمات المتطرفين وتعريضاتهم بسبب محاولته إصلاح القناة الاولى في التلفزيون الرسمي وإخراجها من التهمة الشعبية المعتادة، حيث يطلق عليها السعوديون تندرا اسم (غصب 1 ) بدلا من اسمها الرسمي وهو القناة الأولى.

لكن الوزير، وهو صحافي مخضرم، وكان سابقًا وزيرًا للحج، يواجه انتقادات من بعض المنتجين السعوديين الذين يقولون إن "الوزير لا يميل إلى الإنتاج المحلي حيث هو يتجه إلى الإنتاج المصري وسوف تكون خسارته لمسلسل طاش سببا في تصعيد الحملة عليه من قوى الإنتاج المحلي الضاغطة".

شهرة عالمية أيضا
يشار إلى أن شهرة مسلسل طاش ما طاش، والحملات المستمرة ضده من جانب المتطرفين، أوصلته إلى عالمية لم يعرفها مسلسل أو إنتاج عربي من قبل، وتورد (إيلاف) في الآتي مقالا كانت نشرته صحيفة (لوموند) الفرنسية حول الحملات التي يتعرض لها المسلسل، وإلى نص ما أورده موقع (العربية نت) عن ذلك المقال:

"لمسلسل الكوميدي السعودي “طاش ما طاش” ظاهرة غريبة من نوعها لأنه يبث على قناة تلفزيون حكومي يفترض أنها تسعى للحفاظ على "استقرار" المجتمع والدفاع عن وضعه الحالي الذي تحفز عليه القوانين والعادات، ولكن المسلسل يقوم بالعكس تماما حيث يدعو للتغيير ويحفز التمرد ويثير الجدل في المجتمع السعودي المحافظ. هذه خلاصة تقرير صحافي أعدته جريدة "اللوموند ديبلوماتيك" الفرنسية الشهيرة التي حاولت فهم المجتمع السعودي من خلال تفاعله مع مسلسل طاش ما طاش.

ولعل ما لفت نظر الجريدة تلك المظاهرة التي قام بها 40 سعوديا في رمضان الماضي قبل الإفطار على بوابة وزارة الإعلام في الرياض محتجين على مسلسل "طاش ما طاش" ومطالبين بإيقافه بعد الحلقة الشهيرة التي انتقدت الإجراءات الرسمية والدينية في السعودية التي تجعل من وجود المحرم شرطا أساسيا لإنهاء المعاملات ودخول الكثير من الأماكن بالنسبة للمرأة، وهي الحلقة التي كفر بعض العلماء السعوديين مثل الشيخ صالح السدلان القائمين على المسلسل على أساس أن هذا استهزاء بالدين (وهو الأمر الذي اعتذر عنه الشيخ السدلان لاحقا). وكان المسلسل قد عرض في تلك الحلقة المشاكل التي واجهت سيدتين بسبب سفر محارمهما للخارج، حيث لم يستطيعا أن يتحركا بحرية في البلد ولا أن يقضيا حوائجهن دون مشاكل أو مضايقات أو تعقيدات بسبب عدم وجود محرم.

طاش ما طاش، الذي رصد التقرير شعبيته الهائلة في السعودية والأردن وغيرها والذي يجعل الشوارع أثناء بثه خالية من الناس حسب تعبير الجريدة، كان مدخلا للصحيفة الفرنسية على فهم واقع المرأة السعودية أو "رمز المجتمع السعودي المختفي"، كما كانت محاولة لفهم نظام التلفزيون السعودي حيث تقول الصحيفة بأن القناتين بقيتا تسودان الساحة الإعلامية في السعودية بدون منافس حتى حرب الخليج عام 1990 وغزو العراق للكويت والتي لم تغطيها القناتان بالشكل المطلوب -حسب ما يرى بعض السعودييهن، الأمر الذي حفز وزارة الإعلام السعودية على إطلاق قناة رياضية والقناة "الإخبارية"، وهي خطوة جعلت القنوات الفضائية – والتي يحرمها بعض المفتين السعوديين - "جزءا لا يتجزأ من المنزل السعودي.

وتحدثت الصحيفة ايضًا عن بطلي المسلسل عبدالله السدحان وناصر القصبي اللذين – بحسب الصحيفة – لم يحلما أن يحصل لهما هذا النجاح. وقد بدأ النجمان مسيرتهما الكوميدية خلال مسرح الجامعة حيث كانا يدرسان الهندسة الزراعية. لكن النجمان تركا هذا المجال "البيروقراطي" واتجها إلى الكتابة المسرحية. وفي عام 1990 قدم النجمان فكرة برنامج لوزير الإعلام السعودي انذاك علي الشاعر، وبعد ثلاثة سنوات من ذلك التاريخ ولد مسلسل طاش ما طاش، والتيأعلن فيها النجمان عن نيتهما لـ "نقد التقاليد والعادات الإجتماعية، والإجراءات الإدارية والعادات السياسية".

ولم يترك النجمان أي شيء إلا وتعرض للنقد بدءا بالتزمت الديني مرورا بالتميز ضد المرأة والغلو والمبالغة في التقاليد أو الأخطاء الرياضية المشينة، والفساد الإداري والبيروقراطية، وأخطاء الشرطة حتى انهما انتقدا بقايا التزمت القبلي ايضا. ودخلا في منطقة حساسة جدا حين انتقدا المنافقين الذين يحيطون ببعض المسؤولين والإدارات الحكومية السعودية وإجراءاتها.

وأشارت الصحيفة إلى الانتقادات المختلفة التي عرضها المسلسل من خلال حلقاته بدءا بمشاكل الأزواج والزوجات داخل المنزل، وإلى كبار السن الذين تضاربوا على امرأة جميلة، وحتى أحداث الرياض وكيف أن الإرهابيين أشغلوا أجهزة الأمن السعودي وأربكوهم ووظفوا صغار السن للإرهاب.

وتتابع الصحيفة مراقبتها للمسلسل حيث ذكرت أنه تعرض لاحتمالية الإيقاف وبقي الأمر معلقا حتى مجيء وزير الإعلام الجديد فؤاد الفارسي. كما ذكرت الصحيفة موقف هيئة كبار العلماء التي ادانت المسلسل في عام 2000.

وتعرضت الصحيفة إلى تجاهل الحكومة لموقف الهيئة – والتي تعتبر أكبر مؤسسة دينية في الدولة – وإلى موقف وزير الإعلام من تثبيت المسلسل وعدم إيقافه. وعلقت بذلك قائلة "قد يكون تجاهل المؤسسة الدينية مقبولا، ولكن تعريض شعبية المسلسل للخطر فلن يقبل".

وبرر باحث اجتماعي سعودي للصحيفة سبب الحصانة التي يتمتع بها “طاش ما طاش” إلى أنه مسلسل ينتقد "من الهامش" وبشكل مقبول لأنه خفيف ومضحك. وقال الباحث للصحيفة "كل حلقة من حلقات المسلسل تحمل رسالة، وفي بعض الأحيان تحتاج إلى فهم لغز بعض الرسائل والتي ربما لا تجد لها حلا في نهاية الحلقة". واعتبر الباحث ان النقد الذي يقدمه المسلسل يأتي بصورة مهذبه دون أن يتحدى النظام. واضاف "نحن نتعامل مع ناقد اجتماعي يتحرك في اطار اجتماعي موجود، ويبقى المسلسل في ذات الإطار حينما يتعرض لنقد بعض المظاهر السايسية وخاصة في التعامل مع الفساد الإداري".

وتحدث السدحان للصحيفة مبينا اعتزازه بحال “طاش ما طاش” اليوم حيث قال "نحن مشروع مستقل وخاص ولكننا نتوافق مع التلفزيون الرسمي السعودي الذي حمانا من الحمير ومعتلي العقول". وفسرت الصحيفة مقصد السدحان برجال الدين مثل اولئك الذين تظاهروا ضدهم عام 2003.

وتقول الصحيفة إن القائمين على “طاش ما طاش” يعترفون بفضل من هاجمهم حيث قال السدحان "يمكننا ان نقيس حجم نجاح المسلسل بالنظر إلى كتابات بعض طلاب الجامعات من بعض التخصصات الدينية مقالات ضد البرنامج وطالبوا بإقافه باسم الدين".

ومن جهة أخرى لم تغفل الصحيفة الرأي الاخر حيث نقلت صوت محمد الحضيف (الناقد السياسي والإسلامي) الذي قال إنه ليس كل انسان يحب مثل هذا النقد المفتوح تجاه الدين وتأثيراته الاجتماعية، وهذا ليس لأن هؤلاء الناس متزمتون، لأننا إذا قلنا أن المتدينون كلهم محدودي التفكير ومتزمتون يعني أننا تجاهلنا أن في بلادنا مئات المتدينين من الأطباء والمهندسين واساتذة الجامعة والذين نالوا درجات علمية عالية من داخل وخارج البلاد". واعتبر الحضيف أن الإسلاميين اصبحوا أقليه في السعودية وطالب بحمايتهم من "هجمات الإعلام".

ونقلت الصحيفة أيضا تعليقا من أحد اساتذة اللغة من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة والذي ينتقد المسلسل لتعرضه للهجات المختلفة وتجسيده لشخصيات تسيء لأهل المنطقة التي يمثلها. وقال "إن الشخصيات التي يجسدونها سواء الرجل الذي من الجنوب او من الحجاز لا تمثل الواقع"، بل تمثل كيف ينظر سكان المنطقة الوسطى في السعودية (مصدر المسلسل) لسكان المناطق الأخرى.

ونقلت الصحيفة رأي الكاتب والناقد محمد عباس بجريدة الرياض والذي يرى أيضًا في المجتمع ظاهرة اجتماعية هامة، حيث يقول العباس - حسب ما تروي الجريدة: هذا المسلسل "يقودنا لحقيقة حزينة: الواقع نكتة كبيرة كلنا شاركنا في روايتها، لكن ليس لأي منا الحق أو القوة لتغييرها. كل ما نملكه هو الحق لمشاهدة الممثلين يقلدون أخطاءنا، ولنسمع أصواتنا من خلال أصواتهم". ويضيف العباس: "كلما تعاظمت المصيبة، كلما كان صعبا على مجتمع ما أن يضحك"، ولذا فهذا المسلسل "مشروع رعاية اجتماعية".