مرة أخرى تصعقني قضية قتل إمرأه بالخنق بيدي أخيها في قلقيليه.. (الضفة الغربية ) حيث تأكدت قضية القتل المتعمد مع سبق الإصرار.. وإن لم تثبت بعد فيما إذا كانت قضية قتل شرف أم لا.. ولكن في الحالتين فالقضية تؤكد مرة أخرى تجذر الإستهانه بحياة المرأه.. وفي هذه الحاله سيكون من الأفضل للقاتل التمسك بمبدأ قتل شرف سواء كان حقيقة أم لا.. حتى يفلت من العقوبه....؟؟؟؟؟؟

المرة الأولى التي لفتت إنتباهي إلى كيفية التشوه الذي تضيفه القوانين والأحكام لإنتهاكات حقوق المرأه العربيه والمسلمه وكيف تؤثر هذه الأحكام على تدني الصورة العربيه في الغرب فيما يخص المرأه.. كانت في شهر آب عام 1999 حين شاهدت برنامج للمذيعه الشهيرة كريستيانا أمانبور على شبكة الأخبار الأميركيه سي إن إن.. في برنامج عن قتل الشرف.. قامت المذيعه بعقد مقارنه للقوانين المطبقه فيما يختص بجريمة قتل المرأه والمعروفه بإسم قتل الشرف في الدول العربيه.. وبين القوانين الإسرائيليه حين تتعامل مع نفس الجريمه.. بينت المذيعة وبما لا يدع مجالا للشك بأن القوانين الإسرائيليه تتعامل مع الجاني على انها جريمه تخضع لأقسى العقوبات بغض النظر عن الدوافع أو الأسباب.. بينما تتعامل القوانين الأردنيه مع هذه القضايا على خلفيات إجتماعيه تتعامل معها بخجل وإستحياء.. وتبرير للجاني على إعتبار أن الجريمه وقعت في سورة من العضب من جراء المس بالشرف..

أي أن القوانين الأردنيه وبكل الطرق تحاول إيجاد أرضية صلبه لتبرير الجريمه وإخلاء سبيل القاتل بغض النظر عن الضحيه التي ومن السهوله التفريط بها وبحياتها فقط لكونها إمرأه عليها الخضوع لسلطة الذكر كائن من كان في عائلتها.. سواء كان الأب - الأخ ndash; إبن العم ndash; إبن الخال ثم الزوج حتى الأبناء من الذكور؟؟

القصه التي أوردتها المذيعه من إسرائيل.. قصة فتاه من إحدى القرى الفلسطينيه التي تخضع للقانون الإسرائيلي ( عرب 48 ) في السابعة عشره.. تذمر الجيران من مكالمتها وعلاقتها بصديقها الجار.. مما حدا بالوالد إلى تعنيفها ومنعها من الإختلاط به..برغم تأكيدها بأن علاقتهما لا تزيد عن مجرد صداقه وزماله.. بينما جاء الأخ الذي يكبرها بعام واحد و بعد سماعه كلام الجيران وظنه الظنون بها..وفي سورة الغضب تلك قام بطعنها عدة طعنات اودت بحياتها.. وحين الكشف على جثتها.. أثبتت التقارير الطبيه أنها عذراء..
وبالتأكيد فإن القانون الإسرائيلي لم يرحمه تحت أي عذر لا غليان دم.. ولا المحافظه على الشرف وسمعة العائله.. بل خضع لأقسى العقوبه لأنه قتل متعمد مع سبق الإصرار...وبرغم إسقاط الأهل لحقهم حماية للإبن الذي دمّر حياته.. أصرت الحكومه الإسرائيليه على خضوعه للحق العام الذي لا يسقط الجريمه وأنزلت به أقسى العقوبه.. وهي السجن المؤبد..

انتقلت المذيعه بعد ذلك إلى أحد السجون الأردنيه لتقابل شابا في الخامسه والعشرين. قام بقتل اخته تحت سمع وبصر الجميع في سورة غضب لأنه ظن بأن لها علاقه مع أحد الجيران.. وسألته المذيعه.. ألا تشعر بالندم.. وكانت إجابته التي أعتبرتها من أقسى الطعنات لكل إمرأه.. لا.. لا أشعر بالندم على الإطلاق.. فقد كانت مثل التفاحه المعطوبه والعفنه التي إن بقيت بجانب التفاحات الأخريات فإنها ستؤدي حتما إلى عفن الجميع. وإن سنحت لي الفرصه لقتلها مرة ثانيه وثالثه فسأقوم بنفس ما قمت به لأمسح بدمها عارها علّيّ وعلى عائلتي.. وعليه وبرغم إعترافه الواضح والصريح بالقتل المتعمد وتحت الماده 340 من قانون العقوبات الأردني.. أخلي سبيل الأخ القاتل بعد شهرين فقط ليكافأ من عائلته ومن المجتمع بحفاوة الأبطال وكأنما المقتوله لا تعني شيئا لكل من حولها.. ليأتي القانون ويستبيح دمها مرة أخرى لتدفن في مقبرة المنسيين في هذا المجتمع الذي لا يرحم.. ويتشدّق رجاله وقضاؤه بالعداله؟؟؟


وحتى هذه اللحظه وبالرغم من العديد من الحملات في داخل الأردن ومن خارجه للضغط على الحكومه الأردنيه لتغيير أو مسح هذه الماده من قانون العقوبات المعروف بقتل الشرف ومعاملة هذه الجريمه كجريمة مكتملة بدلا من تخفيف العقوبه.. والتي تصل إلى 6 أشهر حبس فقط في أقصى الحالات. لازالت الحكومه عاجزه عن هذا التعديل الذي يرفضه أغلبية النواب.. فإن النتيجه وفي كل المرات رفض البرلمان لهذا التعديل..
تحت بند التعلل بالخصوصية الثقافيه الإسلاميه والتقاليد الإجتماعيه..


إضافة إلى أن الماده 62 من قانون العقوبات الأردني التي تعطي للرجل الحق في تأديب المرأه إلى أن تبلغ سن الثامنة عشر..قد تغطي على جريمة القتل وتعطي الجاني مطلق الحريه في مدى قسوة هذا التأديب والذي قد يصل إلى القتل.. بما يؤكد بأن المرأه ضحية في الحالتين ولا إعتبار لها أو لحياتها..

ما يساويهم في الإجحاف بحقوق المرأه وحقها في الحياة الماده رقم 74 لسنة 1936 من قانون العقوبات في غزه.. والتي تتساهل أيضا مع القاتل تحت مبررات قتل الشرف..بحيث يخلى سبيله خلال شهور في قضايا الشرف.. ولكن ومن الضحك بأن عدالة هذه القوانين تصل إلى حد أن جرح الحيوان يعتبر جنايه يعاقب عليها القانون بحد أدنى بالسجن ثلاثة سنوات.. بينما نفس هذا القانون يعتبر أن جرح المرأه جنحه يعاقب عليها الجاني بالسجن ثلاث سنوات كأقصى عقوبه أو غرامه ( هذا إن تقدمت المرأه بالبلاغ عن هذا الإيذاء ).. في مجتمع يربيها على موروث ديني عقيم وتقاليد ظالمه تؤدي إلى خضوعها ورضوخها بحيث تصبح التضحيه والتنازل عن حقوقها جزء من تكوينها النفسي بحيث تتقبل العنف بكل أشكاله حتى وإن كان القتل.. في مجتمع يؤمن بأنه ما أجتمع رجل وإمرأه إلا وكان الشيطان ثالثهما.. مجتمع يعتقد بأن المرأه هي الشيطان بذاته..وأن النار نهايتها فليس لها لها أدنى وزن في الدنيا..

تقابلها الماده 16 من قانون العقوبات المعمول به في الضفة الغربيه والذي يعفي من العقوبه من يقدم على قتل إمرأه من محارمه.. تصل إلى حريمه.. بحيث تعطي للرجل الحق في قتل أمه.. أخته.. إبنته.. وبالتأكيد يصل هذا الحق زوجته.... وغيرهم كثير من مواد القوانين العربيه التي تتلاعب بقضايا حقوق المرأه وحقها في الحياة وتتساهل مع المجرمين الذكور بينما تنزل بالمرأه أقسى العقوبات في حالة قيامها بقتل الزوج في حال دفاعها عن نفسها!!!

وترفض هذه الدول العربيه الإلتزام بتواقيعها على القوانين الدوليه التي تنادي بمساواة المرأه وعدم إنتهاك حقوقها... وترفض هذه الدول الموقعه الأخذ بأي من هذه القوانين الدوليه لتعللها بالخصوصية الثقافية والدينيه لشعوبها..وتتعاطى مع جريمة قتل الشرف بتهاون مفرط.. ربما للتنصل من مسئوليتها عن دورها في تعميق عدم المساواة بين الرجل والمرأه الذي ماهو إلا غطاء لبقاء واستمرار وترسيخ أنماط اجتماعيه وثقافيه تمنع التغيير.. ولخوفها من ألسنة فقهاء الدين.. وخوفها من التدخل في عادات وتقاليد و موروثات سلبيه كلها أجحفت بحق المرأه.. تحت شعار التمسك بالتقاليد والعادات..

إن الإستمرار في هذا التمييز يؤكد غياب إرادة الدوله لتحقيق المساواة في الحقوق ولتبقى المرأه في منزلة دونيه تتعارض مع المبادىء الأخلاقيه لمجتمع العدل والمساواه الذي يتشدق به رجال الدين أنفسهم.. في إحدى قصص التراث التي يستند إليها المشرع في تخفيف عقوبة الجاني.... تدّعي بأن هناك قصة عن النبي محمد quot;quot; سلام الله عليه quot;quot; بأنه جاءه سعد بن معاذ.. ليسأله عن حادثة يصف فيها فعل الزنى المباشر.. فقال سعد quot;quot; والله لو حدث ذلك لأقتلنه quot;quot; وحين إستعجب الحضور من قول سعد.. قال النبي quot; سلام الله عليه quot;quot; أتعجبون من غيرة سعد والله إني لأغير من سعد والله أغير منا جميعا quot;quot;

أستحلفك بالله سيدي القارىء أين هو هذا الطريق.. ما أراه ويراه الغرب هو طريق مبني على هدر كرامه المرأه.. حين نصّر على التمسك بتقاليد وعادات تهدر وتحلل دم المرأه.. لتبقى أسيرة الذل والهوان في مجتمع متخلف جاهل يقبل بإستمرار التسلط الذكوري على المرأه ويضعها في قائمة مقتنيات الرجل..
مأراه ويراه الغرب.. غياب بل وإنعدام العداله وتعسف القوانين حين تقتل المرأه في قضايا قتل الشرف بينما لا يقتل الجاني الحقيقي الذي قام بالجريمه..

ما أراه ويراه الغرب هي أن هذه العزة مجرد كلام فارغ أساسه الإمتلاء بالنفس حين بحلل القانون قتل روح بشريه لمجرد إرضاء غرور الرجل المتسلط....

وكلها تؤدي إلى إستمرار عملية إستضعاف المرأه وإذلالها وقتل روحها لتبقى أسيرة في مجتمع لا يرحم ولا يفهم المعنى الحقيقي للشرف أو القيم الإنسانيه..

السؤال الذي أتمنى الإجابة عليه إلى متى ستبقى المرأه هي الوحيده المكلفه بالحفاظ على quot; الشرف العائلي quot;quot; ويبقى الرجل حرا طليقا قد يعبث بشرف بنات عائلات أخرى أو يقوم بعمليات نصب أو تزوير أو غيرها.. ألا تصب كل هذه الإنتهاكات المجتمعيه في خانة الشرف أيضا.. التي يفلت منها الرجل بإستمرار..

وإلى أن يبقى الحوار مفتوحا.. من جهتي سأعمل على إسخانه ورفع درجة غليانه.. لربما تصل صرختي إلى الضمير العربي ليصحو ويعترف بأن لا مجال للتطور المجتمعي والتنميه.. بدون البدء برفع الظلم والألم عن المرأه.. فالتنمية الإنسانيه بدءا من البيت هي الطريق الوحيد للخروج من عتمة القلوب والضمائر التي ساعد فيها فقهاء الدين في تأسيس العنف.. ولكن الألم سيبقى لأنه وفي كل يوم سنسمع بقضية قتل شرف أخرى إلى أن يستفيق هذا المجتمع ليرضى وعن طواعيه بمبدأ عالمية حقوق الإنسان.. وعلى قمتها عالمية حقوق المرأه..


باحثه وناشطه في حقوق الإنسان - لندن