أيتها الحرية من أنت؟ وأين أجدك؟ لقد بحثت عنك في كل مكان.. تحت المكان.. فوق المكان وفي عكس المكان فما وجدتك.. حتى كدت أشك في وجودك أصلاً.. فهل أنت غير موجودة ولذلك عبثاً نحاول أن نجدك؟ لا أعرف. وحتى هذا أكاد لا اعرفه.

بحثت في أقوال الحكماء والفلاسفة عن الحرية فرأيت ما لم ترى عين وسمعت ما لم تسمع أذن فعرفت أنهم يتحدثون عن الحرية الضائعة. وأخيراً وبعد عناء البحث أيقنت أن ألإنسان ليس حراً. فحريته مقيدة في الإرادة، مقيدة في الفعل، ومقيدة في القول.

لأنه إن كانت الإرادة حاضرة وقوية عند الإنسان فلماذا لا يستطيع أن يفعل الخير والحسنى أليس ذلك دليل على أن إرادته ليست حرة. فالضمير يقيد الإنسان، والمجتمع يراقبه، والتعاليم الدينية أمامه، والعادات والتقاليد من ورائه، والخرافات والخزعبلات تحيط به من كل جانب فمن أين له بإرادة حرة قادرة على الفعل.

كذلك فالإنسان ليس حراً في القول فالشروط والقيود الموضوعة تعيقه رغماً عن إرادته. فإذا تكلم لن يفهم الآخر قصده بالضبط بل سوف يفهم ما يريد أن يفهم هو، ولذلك فعلى المتكلم يقع عبء التحدث باللغة التي يفهم بها الآخر وليس علي الآخر مجرد محاولة فهم اللغة التي يتحدث بها المتكلم، ربما لأنه لا يريد أن يسمع، أو أن السامع يريد أن يسمع ما يريده هو وليس ما يريده المتكلم! أين الحرية إذن من ذا الذي يقيدها؟

منذ أن وجد الإنسان الأول وهو مقيد بالأغلال.. أفعل ولا تفعل، ثم العكس لا تفعل وأفعل، ُكّل هذا ولا تأكّل تلك ثم العكس، أقبل هذا ولا تقبل تلك ثم العكس. البس هذا ولا تلبس ذلك ثم العكس.. قصر الجلباب ثم طول الجلباب ثم العكس.
فإن قال إنها حريته الشخصية قالوا وأين حرية المجتمع.. فإن قيد حريته الشخصية من اجل حرية المجتمع، قالوا وأين حرية الدين والمعتقد، ثم أين حق الله، ثم، وثم،..

يقولون أن الحرية الشخصية يجب أن تنتمي إلى مجال الحرية المجتمعية. فلكل مؤسسة الزى الخاص بها فللمدارس زى، ولرجال الشرطة زى، وللجامعات زى ـ فلم نسمع أن أستاذ يلقي محاضرته في الجامعة وهو في جلباب أبيض شفاف ُيظهر ملامح عورته، أو مرتدياً شورت قصير وتيشرت أحمر كأنه في حمام سباحة، ولم نرى فتاة تسير في الشارع وهي في البكيني لأن الشارع مكان عام... لذلك فإن الحرية الشخصية في ارتداء الزى المخالف للزى المجتمعي يجب أن تكون في المنزل أو في الأماكن الخاصة.

وحتى في هذا القول ضاعت الحرية.. ضاعت حرية الفرد، وضاعت حرية الجماعة، وضاعت حرية الكلمة.. وهكذا وحتى يومنا هذا والفتاوى لا تنتهي ومتسلسلات الحرام والحلال اللانهائية لا تتوقف لا في الليل ولا في النهار. لهذا فقد تأكدت أن الإنسان ليس حراً.

غير أنني اكتشفت أيضاً أن هنالك أناس لا يزالون يستخدمون العقل ويفكرون بحرية فحمدت الله من أجلهم فأولئك هم الأحرار وليسوا العبيد لأن العبد لا يستطيع أن يفكر، لأنه إن فعل فسوف يتمرد على سيده ولن يقبل أن يكون هو العبد وسيده هو السيد ولذلك فالعبد خاضع، خانع، مسلوب، محروم، بائس ومسكين. والتفكير نعمة من الله الخالق للإنسان لا يستطيع أحد أن يحرمه منها. حتى إذا حرم الإنسان من القول ومن الفعل فلن يحرمه أحد من نعمة التفكير.

المزيد من التفكير قادني إلى القول أن الحرية الحقيقية التي بحث عنها الكثيرون ولم يجدونها تتحقق عندما يتحرر العقل من كل القيود الموضوعة عليه بإرادته أحياناً ورغماً عن أنفه أحياناً أخرى وعندئذٍ يستطيع التفكير السليم. فدعوت الله سبحانه أن يحرر العقل العربي من القيود وعلى الأخص من جبروت وهيمنة واحتلال المرأة له، فالمرأة تكاد تحتل كل عقله بجسدها، ولبسها، وسلوكها، ودينها،.. حتى أنها تكاد تستنزف كل قوته وطاقاته. هل ستكون تكون النهاية هزيمة العرب وانتصار المرأة أم تحرير عقل الرجل العربي فيكون النصر من نصيب الرجل والمرأة معاً؟ لا أعرف.

أ.د/ إميل شكرالله
[email protected]