يبدو أن وعود و تعهدات الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بحسم موضوع صعدة و بإنهاء ملفات التوتر و حقن الدماء اليمنية المسفوكة هباءا قد أضحت من مستلزمات عملية الفشل السياسي و الإداري الكبير للحكومة اليمنية، فصيحات الثأر الرسمية بسرعة التخلص من ( المتمردين )؟

و الإتهامات المختلطة و المتوترة و المتناقضة ضد قوى المعارضة اليمنية في الشمال و الحراك الجنوبي في الجنوب قد حولت عملية إدارة الصراع الداخلي في اليمن لمهزلة حقيقية، فقبل أسابيع طويلة كان الرئيس اليمني يتحدث عن أيام فقط و ينتهي معها ( التمرد )؟ فإذا بتلك الأيام الموعودة تتحول لحرب إستنزافية مدمرة لا أدري كيف فاتت حقائقها الميدانية على القيادات العسكرية و منهم الرئيس الذي يحمل رتبة جنرال بخمسة نجوم !، فحتى أعتى جنرالات الناتو حاليا ووارشو سابقا يعلمون ببديهية أن كسب حرب العصابات هي من أعقد المهام، و إن حرب العصابات قد أذلت و حطمت هيبة جيوش كبرى كما حصل للأميركان في فيتنام و للروس في أفغانستان و لقوات الناتو في أفغانستان حاليا أيضا ؟ كما أن الحروب الستة التي شنت ضد فئة من الشعب اليمني في الشمال لم تعلم تلك القيادات أي درس يمكن أن يفيد مستقبلا أو تتحدد معه الإجابات على الكثير من الأسئلة الحائرة ؟ طبعا كسب الحرب و إنهاء الخصم أو إبادته هو أمر أصبح حاليا خارج نطاق التداول، فالحرب في الشمال قد أخذت موقع حرب السجال الشبيهة بحرب المواقع و عمليات الكر و الفر لن تمكن جيش السلطة من أخذ زمام المبادرة و حسم الموقف ؟

بل سيبقى الإستنزاف سيد الموقف في ظل التعنت الرسمي و الإصرار على شروط لا معنى لها و لا أهمية لمحتواها في ظل نزيف الدم اليمني المؤسف و الذي تحول لورطة ستراتيجية حقيقية و بما سيؤدي لمضاعفات داخلية لا يعلم مداها إلا الله، لقد فشل النظام اليمني في كسب الحرب، كما فشل في صنع السلام الأهلي الذي يمكنه أن يجنب اليمن و شعبه مغبة الإنزلاق في سيناريو تدميري شامل بات من إختصاص الأنظمة الفاشية الوراثية التي لا تهتم بشيء قدر إهتمامها بتأمين مواقعها القيادية و الرئاسية للأبناء و حتى للأحفاد!! و ليذهب الشعب للجحيم، في المقابل تستمر الأصوات الحرة في جنوب اليمن في صراعها التاريخي و الحاسم من أجل تصحيح مسار الوحدة الإستعجالية القاتل الذي مزق البلاد و العباد و حول الوحدة اليمنية لكابوس ثقيل من التسلط الفاشي المقيت ومن الإقليمية المريضة و من التعسف المرضي، لقد كان الإقتراح الذي تقدم به الرئيس اليمني الجنوبي علي سالم البيض إقتراحا عمليا و منطقيا قد يمكن كل الأطراف من إخماد فتيل القنابل المستقبلية التي على وشك الإنفجار، فتنظيم إستفتاء وطني شامل لشعب جنوب اليمن و بإشراف دولي لمعرفة رأي الناس مباشرة و بدون فذلكات إعلامية و لا جعجعة إستخبارية!

هو مطلب حيوي و عادل و يتناسب تماما و حالة التهدئة المنشودة و إرضاء جميع الأطراف، و إذا كان النظام اليمني مؤمن حقا بأن هيمنته الوحدوية تحظى برضا الشعب كما تقول أجهزة إعلامه فإن هذا الإستفتاء التأكيدي سيعزز رسميا و عربيا و دوليا تلك القناعة و حتى يتبين حقيقة بأن أهل شعارات فك الإرتباط و إعادة الروح لجمهورية جنوب اليمن على أسس جديدة هم شرذمة من الإنفصاليين كما يقول النظام ؟ أما تجاهل و رفض هذا المقترح العادل و عدم الإلتفات إليه فهو يؤكد نوايا السلطة التعسفية التي تعمدت مثلا التوسع في إصدار أحكام الإعدام بحق المعارضة الشمالية و التي لن تنفذ أحكامها في النهاية!! فالموضوع موضوع إستعراض سلطوي و ترويع شعبي و إظهار مواقف متشددة من أجل تخويف من لا يخافون الموت أصلا!!، أما رسائل السلطة لأهل الجنوب التي تمثلت بالقتل الشامل و بتسليط الأجهزة الأمنية و بتجاهل كل العهود و المواثيق فهي لن تنفع في ترميم جدران التسلط الوحدوي التي إنهارت بحكم الواقع و الممارسة، فحق تقرير المصير هو حق مقدس للشعوب الحرة، و شعب جنوب اليمن في طريقه لنيل حريته سواءا بالإستفتاء أو بغيره!! و لكن إقتراح الإستفتاء سيبقى الباب المفتوح لحفظ ماء وجه المتسلطين الذين لن يكسبوا أبدا حرب الإلغاء و الترهيب، فالأحرار يعلمون جيدا بأنهم يمشون على الأشواك السامة، وطريق الحرية قد بانت معالمه، هزيمة الفاشية و العسكرتاريا الرثة ستترتب عليها نتائج كبيرة و مذهلة، ففي النهاية لن يحسم الموقف سوى معسكر الحرية..؟
فأحرار اليمن على موعد مع التاريخ...؟

[email protected]