محمد الحمامصي من القاهرة: تعد الشاعر الليبية خلود الفلاح أحد أبرز الشاعرات الليبيات في الجيل الجديد، حيث تتمتع تجربتها بالطزاجة والحيوية، وبخصوصية ورؤاها وتقنياتها، فهي تكتب القصيدة المكثفة ذات الدلالات العميقة والموحية، قدمت حتى الآن عملين الأول (بهجات مارقة) والثاني (ينتظرونك).وصدر لها هذا العام كتاب جديد عنوانته بــ 'طاولة عند النافذة' عن منشورات مجلس الثقافة العام، وهو عبارة عن مجموعة من الحوارات الأدبية التي أجرتها الصحافية خلود الفلاح مع مجموعة من الشعراء والقصاصين والروائيين والنقاد الليبيين والعرب مع نماذج من أعمالهم أمثال: إبراهيم الكوني، إبراهيم نصر الله،، محمد العباس، علوية صبح، محمد علي اليوسفي وغيرهم، وفي هذا الحوار معها نتعرف علي تجربتها ومجموع آرائها في القصيدة العربية والليبية خاصة، وكذلك نتطرق معها إلي وضع المبدعة الليبية والمعوقات التي تواجهها.
** بداية نود أن تعرف علي بدايات تجربتك الشعرية والمؤثرات التي لعبت دورا في بروزها؟
** كانت البداية مع شعوري بأن الأشياء لديها ما تقوله، هل تعرف ذاك الشعور البدائي تجاه الأشياء بأن لها روح، روح الجبل، روح النبع، روح النصر، روح النباتات و أنا لدي شعور قريب من هذا تجاه الأشياء أحاول الإصغاء إليها، الشعور بها، أحاول تفهمها. هذا غير الأشياء التي تتكلم فعلاً وتحتاج فقط إلى القليل من الاستماع كالبيانو، الأصابع، ما يقع خلف الشباك هو ما يقوله الشباك و علينا فقط أن نسمع.
ما أريد قوله هو هذه العلاقة الحميمة بيني و بين الأشياء و التي قد يعتبرها البعض تافهة في بعض الأحيان لكنها أشياء بالنسبة لي فيها الكثير من النور و الحميمية التي تشدني و تأمرني بالتوقف لتسرد لي حكايتها. أحاول تتبع التفاصيل الصغيرة لأهميتها ولان المسائل الكبرى هي أصلاً نتاج كثير من التفاصيل التي تم إهمالها.
** وماذا عن المراحل التي قطعتها تلك التجربة حتى الآن؟
** هناك مرحلة ديواني الأول ((بهجات مارقة)) التي كانت الصيغة الأولية للشكل و الموضوع. في بهجات مارقة أخذت التجربة شكلها و أعلنت الكلمات أنها أخذت طريقها إلى روحي كانت مارقة كالبهجات الصغيرة المارة بسرعة و الخارجة عن صيغة الحزن المتراكم فينا، في هذه قلت:
وأنا
صغيرة
ضيعت
دميتي الوحيدة
مذ ذاك الزمن البعيد
وأشيائي القريبة، الجميلة
تتسرب تباعاً.
الكلمات قليلة لأنها هي وحدها التي استطاعت الإفلات من صمتي، من واقع الكلام إلى حلم الكتابة. في ديواني الجديد (( ينتظرونك)) تكلمت الأشياء، صوتي فيه يشبهني تماماً، أنتظر مع الأشياء في جو حميم يسعدني عندما تكون وحدك كيف يمكن أن تفكر فيما تفكر فيه الأشياء مثلا كيف يمكن للمقعد الذي بجانبي أن يقول اشتقت إليه، كيف يمكن لهذا اليوم الممطر أن يخبرنا بأنه يوم للحب، كيف يمكن لسخان الشاي أن يقول أحب ثرثرتكم الجميلة بعد العشاء، كيف تشتاق الملابس للكي. أنتظر و أفكر فكان ينتظرونك:
هذه الغرفة الصغيرة
الجدران المزدحمة بصوري
السرير
الشرشف البرتقالي
طاولة الزينة البليدة
مرآتها
فاجأت فراغي.
** هل كان اتجاهك لكتابة قصيدة النثر محاولة للاختلاف ومجاوزة للقصيد العمودي و التفعيلي أم أن هناك مبررات فنية أخرى؟
**ع لم أبحث عن الاختلاف أو التجاوز و ليس هناك من مبرر حقيقي أو مبرر أعرفه أنا على الأقل أجد نفسي في قصيدة النثر و أعتقد أن الموضوعات التي أكتب عنها هي من أختار القصيد النثري .
أكيد أن القصيدة العمودية و التفعيلة تكلمت عن نفس الموضوعات لكن بسبب التقيد بشروطها كان هناك بد من تهميش وإبعاد الكثير من الأفكار وقصيدة النثر هي هذا الذي تم إبعاده و تهميشه لقد أصبحت تلك الأفكار هي المتن وهذا جزء من ما أسعى إليه.
** قصيدتك ومضة أو دفقة قصيرة هل كان ذلك اختيارا أم حالات فرضت نفسها؟
** هي ومضة أو دفقة لم أفكر في ذلك وهناك من يقول ها يكو و آخرين لا أدري ماذا يسمونها لكن الذي أعرفه أنا أن ما أردت قوله قد قلته بهذه الطريقة و أنا أحبها و مقتنعة تماماً أن هذا العصر لا يحتمل نص يثرثر، نص تستغرق قراءته ساعات هذا إهدار للوقت.
اليوم نحن في حاجة لنص يقول كل شي في دقائق وتفكر فيه لساعات أو كلما أتيحت لك الفرصة للتفكير فيه. هل أصبت؟
** كيف ترين مشهد قصيدة النثر الليبية في حاضره الراهن؟
** قصيدة النثر في ليبيا قد أصبحت واقع وشعراء قصيدة النثر هم الأكثر شعرية وما يميزهم أكثر هي تلك الموضوعات التي لم تكن الروح الشعرية السابقة لتصل إليها لولا هذه الحرية في التناول وفي الطرح.
هناك مكان و مساحة احتلتها قصيدة النثر ولم تعد حتى موضوع نقاش حول ما إذا كانت شعر أو لا و هناك الكثير من الكتاُب و النقاد يقفون في صف هذه القصيدة لأنها تعبر عنهم وعن شعريتهم.
** وما تقييمك للمتابعة النقدية لهذا المشهد؟
** في الحقيقة هناك دراسات ليست كثيرة و لكنها جيدة من وجهة نظري على مستوى التنظير و التطبيق و ربما يرجع هذا إلى قلة النقاد و المهتمين بدراسة المناهج التي يمكن من خلالها دراسة مشهد قصيدة النثر في ليبيا.
عموماً هناك مواكبة نقدية للشعراء الجيدين و النصوص الجيدة.
** بحكم قربك من الأجيال الشابة التي تكتب قصيدة النثر عربيا ما هو تقييمك لحركتها؟
** لا أعتقد أني في وضع يسمح لي بتقييم تجارب الآخرين، لكن من نظرة عامة لوضع قصيدة النثر عربياً يمكن القول أنها تنمو بقوة في جهات و ببط ء في جهات أخرى وقد يعود ذلك إلى عدم قدرة المتلقي في هذه الجهات على استقبال هذا النص بنفس الحفاوة في جهات أخرى ومهما يكن من أمر فلو نظرنا إلى عدد إصدارات شعراء قصيدة النثر في الوطن العربي فسوف نعلم أنها بخير و إن هناك شعراء يستحقون القراءة.
** ما المشكلات التي تؤثر سلبا برأيك علي المبدعة الليبية وما السبيل لحلها؟
** أكثر ما يؤثر على المبدعة الليبية هو مسؤولياتها الاجتماعية الكبيرة تجاه بيتها و أسرتها و مجتمعها وواجباتها الاجتماعية هذا ما يقع على عاتق المرأة الليبية و أعتقد أنها مسؤوليات أي امرأة عربية مبدعة.
وليس لمجرد كونها شاعرة وكاتبة ومبدعة أن تتخلص من هذه المهام التي أصبحت جزء منها.
كم أتنمى أن تعلن المبدعة الليبية عن مشروعها الإبداعي و تتفرغ له بالكامل.
** وما وضع حركة الثقافة الليبية ودور المرأة داخلها، هل لازالت مستبعدة وما فعاليتها؟
** لا أعتقد أن هناك إمكانية للكلام عن الاستعباد أو الحد من فعاليتها كامرأة، المرأة في ليبيا أصبحت تتبوأ مناصب قيادية.
صدقني من يركن إلى الراحة وعدم خوض التجربة ولا يرفع صوته عليه ألا يبحث عن (شماعة) يعلق عليها فشله أو خوفه سواء كان وضع اجتماعي أو رجل أو عائلة. المرأة الليبية تملك كل مقومات العمل و الحرية فقط هناك من يأخذ المبادرة وهناك من يتجنب خوض التجربة و يكتفي بالحديث عن بعد.
** ما الجديد الذي تخططين له مستقبلا؟
** لدي بعض المشاريع التي اعمل على تحقيقها و تأخذ الكثير مني، دائماً هناك أفكار فقط الوقت أتمنى أن يسعنا جميعاً لفعل الحلم و قول الحياة.