عبد الجبار العتابي من بغداد: صدرت الشاعرة العراقية كولالة نوري خلال الايام الاخيرة من عام 2009 مجموعتها الشعرية الرابعة التي تحمل عنوان (حَطَب..) الصادرة عن(دار آراس) للطباعة والنشر في محافظة (أربيل) وهي كبرى دور النشر في أقليم كردستان العراق، والمجموعة الشعرية المزينة بغلاف جميل ومعبر تتضمن 39 قصيدة، كتبت بين عامي 2005 -2009، تتناول مواضيع حياتية شتى، لكنها توشم الواقع العراقي وحكاياته علامة بارزة فوق صدور الصفحات وايحاءاتها وبوحها، تأخذ منه قبسات توزعها هنا وهناك لتضيء جوانحها المترعة بالحطب الذي يظل قابلا للاشتعال، وقد جاء في إهداء المجموعة:

(إلى....
القادمين متأخرينَ أو مُبكّرين،
الى
مُسرعين في فجوةٍ بين مَمَرَّيْن.
إلى الوقت المحدّد... حيث لا مارّين!
إلى وصولي المتأخّر دائماً....
لنا .. هذا الاحتطاب).

فيما جاء على الوجه الخلفي لغلاف المجموعة هذا المقطع الشعري ّ الذي اختارته الشاعرة:
(لن أموت عليكَ
سأضحي بعُشرك حيّاً
خوفا على نوعنا العراقي وهو ينقرض!
الأطياف التي تكره الألوان،
تغتصب الشوارع لتخلّف الأموات.
ولأنني حبلى بمقابر
لن أجد لحدا ليحبل بي!
فأين ستضع وردة ً؟
دع عُشرك حيّاً
متى ستقرأ الشاهدة
إذا تقاطع وقتك مع شظية!).

وهذا المقطع من قصيدة بعنوان (كسورُ الروحِ العُشرية) التي اهدتها الى اصدقائها المغادرين بعد المنافي، وتنسج فيها تلك الكلمة العراقية (لن اموت عليك)، تنسجها بمنوال المحبة والهواجس، وربما السخرية ايضا، حيث انها تضع نفسها امام كلمة (الموت) وتنظر اليها من جهات شتى، وتفتح نافذة منها الى وطنها العراق الذي يتربص به الموت، فلا تدري مما فيها من حيرة وقلق الا ان تتمنى بأمل في الخالق الذي ترى انه وحده القادر على ينشر السلام على رحابه حيث تقول:

(قد ينظر الله للعراق من هُوّةٍ
وينفخ ببعض البرد
أو بعض الوقت لتغيير كسوة الحداد
كسوة الصباح والمساء!
كسوة الصيف والشتاء للعقود الثلاثة.
وعشرٌ له وهو يتربص في بغداد)

وكعادتها.. تجعل كولالة لغتها تنساب لترسم بالالوان صورها الشعرية التي تعبر عن مكنونات نفسها بدون ان تضع لها اي رتوش من الممكن ان تثقل جملها المفيدة او تؤثر على اللقطة الحسية، ليس هنالك من عقد، والشاعرة تجد نفسها حاضرة وسط هذا الكم الهائل من الانزياحات الذاتية والخطوط المتشعبة بالخطر، وان تكن في تصوراتها بعض الشعور بالقسوة، ولكنها قسوة مشروعة ازاء ما تحسه وما تراه، حين تختلط امامها الرؤى فيصبح الشهيد قتيلا، ويقف البلح امام الرصاص، وهناك النسوة والامهات ينتظرن:

(بلحٌ ورصاص...
أرشيف امرأة بلا بطاقات ٍتُدخلها جنان الأرض أو السماء!
حكايةُ أم سرقوا طفلتها وهي تغادر جنازاتهم..
(كيف تغادرنا بصبر شديد وتتركنا توابيتَ تواجه الأتربة!!)
أمهاتٌ تسمّرن طويلا
على أبواب السراديب وبين غياب الله الطويل
قبل حضور رجال من جزر بعيدةٍ.
أمّهاتٌ ينتظرْن طويلا على أبواب الأزمنة
قد يلتقطن اقتراحا لحفظ الألم ولو قليلا خارج الشغاف!
نساء عامرات منتظرات دائما كالمطارات، لإخوة من هراء.
حبيبات لحفاريّ القبور!!
أو زوجات لهرّاوات المخصييّن!
أومهدوراتٌ من ملثّمين!)

بعض الكلمات يجيء واجفا، تشعر ان وجوهها تحمل قسمات فيها من الالم الكثير وهو ما يترك ندوبا على على اصدائها داخل القاريء، احيانا تجد الشاعرة تضطر الى السكوت وتترك ما بعد الرؤى التي تسكبها خلف جدران للتكهنات والتصورات، حين تجد ان ثمة غضب ووجع يراودان الحطب الذي نفسها فلا تريده ان يشتعل مرة واحدة.

(لديّ أيها المحارب القديم
أوسمة حروبٍ لم تنته بعد
لدي علامات دالّة لحروب لم تبدأ بعد.
الأرواح التي تصرّ ألان على الحياة في بلدي
نياشين لسيران دمي).

للشاعرة ثلاثة مجاميع شعرية سابقة (لحظة ينام الدولفين) دار الواح -مدريد 1999 وعن دار الشموس- دمشق 2000عام،و (لن يخًّصك ِ هذا الضجيج)2001 بغداد ndash; عن دار الشؤون الثقافية و(تقاويم الوحشة)2005 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر-بيروت .