ما عادت الابتكارات التكنولوجية حكرًا على الولايات المتحدة، وهو ما يحتم تعاونًا وتنسيقًا عالميين لتجنب العزلة والتراجع، لا سيما مع بروز قوى لها وزنها، مثل الصين والهند.&

إيلاف: طالما حلم كثيرون في الماضي بآلة سحرية يمكنها ترجمة كل ما يقال من لغة إلى أخرى بلمح البصر ومن دون الكثير من
الجهد. تحقق الحلم في عام 2015 عندما بدأ تطبيق "سكايب" يقدم خدمات ترجمة فورية إلى مستخدميه. وكان سكايب قد رأى النور في أستونيا في عام 2003، ونال شعبية كبيرة بسرعة هائلة، ثم اشترته "مايكروسوفت" في عام 2011.&

بعدها بدأ عشرات الباحثين من العاملين في شركة "مايكروسوفت" في الولايات المتحدة وآخرون من الصين تعاونًا واسعًا من أجل تحقيق مشروع الترجمة اعتمادًا على جهود بدأها باحث أصله من الهند.

هذا المثال يبيّن بوضوح ما أراد الكاتب والباحث أندرو كنيدي شرحه في كتابه "القوى الكبرى المتضاربة: تعاون أميركا مع الصين والهند في مجال الابتكارات العالمية".&

ريادة أميركية
كانت الولايات المتحدة على مدى عقود دولة رائدة في مجال الابتكارات التكنولوجية، وهو ما ساهم في فرض سيطرتها ونفوذها في العالم. لكن السنوات الأخيرة شهدت تحولات كشفت عن أن الابتكار لم يعد حكرًا على هذه الدولة أو تلك، وهو ما يستدعي إتباع سياسة تعاون وتنسيق وتفاهم تتجاوز الحدود المرسومة على الخرائط.&

فهناك من جهة حركة الأدمغة وتنقلها بين الدول، وهو ما يحدث بمعدلات غير مسبوقة. وهناك أيضًا استثمارات تنفذها شركات عملاقة متعددة الجنسيات في منشآت تقوم على تقنيات متطورة جدًا في مناطق مختلفة من العالم.

من جانبها برزت الصين والهند كدولتين دخلتا في شراكة مع أميركا على صعيد الابتكارات التكنولوجية، كما أصبحتا مصدرًا مهمًا للمواهب والأدمغة وأصحاب المهارات بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

تحدٍّ كبير
يكشف الكاتب كيف أن الابتكارات والتحديثات، لا سيما التكنولوجية منها، تمثل تحديًا كبيرًا. ويلاحظ بأن جهات في الولايات المتحدة، مثل الشركات متعددة الجنسيات وجامعات مهمة، اتخذت موقفًا إيجابيًا، وأدت دورًا مهمًا على صعيد الاستثمار في الخارج وتكوين علاقات وإنشاء تحالفات وتشغيل عمال أجانب واستقبال طلاب أجانب أيضًا بشكل يخدم عمليات التحديث والتطوير والابتكار.

يعتقد الكاتب أن تحدي التكنولوجيا عالمي، وهو ما يحتم بأن يكون هناك تعاون عالمي بين مختلف الدول، لأنه لا يمكن لدولة واحدة أو مجموعة شركات وحدها مواجهته، وهو ما يصل بنا بالنتيجة إلى ما يدعوها الكاتب "عولمة الابتكارات والتحديثات".

ولدوا في الخارج
أجرى الكاتب بحثًا معمقًا تابع فيه المحدثين والمبتكرين داخل الولايات المتحدة نفسها ليتوصل إلى أن كثيرين منهم ولدوا خارج الولايات المتحدة، ثم وفدوا إليها، وارتفع عددهم بشكل ملحوظ خلال العقود الأخيرة.

ويشير الكاتب إلى أن 27% من العاملين في مجال البحوث العلمية ومن حملة شهادة الدكتوراه في عام 1993 كانوا قد ولدوا في الخارج. ارتفعت هذه النسبة إلى 42% في عام 2013. ويبيّن بأن الصين والهند تمثلان مصدر العاملين من ذوي المهارات العالية، وشكل رعاياهما نسبة تزيد على 36% من حملة شهادة الدكتوراه والعاملين في مجال البحث العلمي في الولايات المتحدة في عام 2014.

عولمة التعليم
يخصص الكاتب فصلًا كاملًا لما يدعوها عولمة الدراسات العليا، ويلاحظ أن عدد الطلاب الذين يدرسون خارج بلدانهم بعد الحصول على شهادة الثانوية العامة ارتفع من 800 ألف في عام 1975 إلى أربعة ملايين ونصف مليون طالب في عام 2012، وتركزت الزيادة في سنوات القرن الحادي والعشرين بشكل خاص، حيث ارتفعت حركة الطلاب الدولية السنوية بنسبة 7% بين عامي 2000 و2012.

وقد استقبلت الولايات المتحدة النسبة الأكبر من الطلبة الأجانب على الصعيد العالمي، ولم تحدد سقفًا معيّنًا لعددهم في الجامعات الأميركية. &

حركة الأدمغة
ثم يخصص الكاتب فصلًا آخر لحركة الأدمغة عبر الحدود، ويلاحظ أن شركات وجامعات مهمة تعمل في مجال البحوث والتطوير والابتكار بطريقة عولمية، فهي تؤسس مراكز بحوث في الخارج، وتشغل عاملين من مختلف الأصول والجنسيات.

يرى الكاتب أن هذه الجهات والمؤسسات استشعرت بشكل مسبق بروز الصين والهند الوشيك، فاستبقت الواقع، وراحت
تنسق معهما في مختلف المجالات.&

مع ذلك، يلاحظ الكاتب أن السياسة الاميركية الرسمية لم تصل إلى هذا المستوى، وذلك لوجود مقاومة داخلية تدعو إلى إغلاق الأبواب أمام ما هو أجنبي، ووقف حركة تنقل الأدمغة المهاجرة وأصحاب المهارات، وحتى تدعو إلى تحديد الاستثمارات الخارجية.

انفتاح
هنا يدعو الكاتب إلى تجنب تقييد هذا التوجه العالمي، وإلى عدم الخضوع لهذه المقاومة الداخلية التي ستقود بالنتيجة إلى عزل الولايات المتحدة بشكل أو بآخر، وربما إلى الحدّ من تطورها في نهاية الأمر.

يستند في دعوته هذه إلى أن الابتكارات التكنولوجية ما عادت حكرًا على منطقة بعينها دون غيرها أو على شعب دون آخر، وأن حركة الأدمغة والباحثين والطلبة وتكثيف نشاطاتهم أصبحت أسهل بكثير، لا سيما مع وجود تكنولوجيا الاتصالات المتطورة الحديثة وسهولة الانتقال من منطقة إلى أخرى في العالم، وهو ما يسهم في تسهيل تبادل الآراء والتجارب والعقول والاستثمارات.


أعدت "إيلاف" هذا التقرير نقلًا عن "jstor". الأصل منشور على الرابط
https://www.jstor.org/stable/10.7312/kenn18554
& &