صدر حديثا (2018)، عن "دار الاديب" في عمان/ الاردن، كتاب "العمارة الاسلامية في بلاد ما وراء النهر: تميّز المقاربة وتنويع الخطاب" لمؤلفه د. خالد السلطاني.، وهو يتضمن عرضا وتحليلا وتأويلا لنماذج العمارة الاسلامية، في مدن "سمرقند وبخارى، وخيوة"، المشكلة مناطقها في الماضي، بعضاً من &اقليم "ما وراء النهر" الاسلامي. &وقد جاء الكتاب بـ 568 صفحة، من القطع الكبير وكلها ملونة، وبغلاف سميك. يهدي المؤلف كتابه، كما جاء في "الاهداء" الى "معمارييّ و"أُسْطَوات" بلاد ما وراء النهر؛ الذين اجتهدوا في اجتراح مقاربات تصميمية مميزةـ أثرت منجز العمارة الإسلامية، وبالتالي أغنت ذخيرة التراث المعماري الانساني."&


يكتب المؤلف في احدى فقرات مقدمة الكتاب ما يلي".. لطالما، كنت (ولا زلت)، اردد بان منتج "العمارة الإسلامية"، بالنسبة اليّ، يمثل "هوية وانتماء"، ولكن بمفهومهما الثقافي، الذي اعتبرته في احدى كتاباتي بكونه "ينأى بي عن الغطرسة والتبجح، ويجنبني الإحساس بعدم التكافؤ مع الآخر". ولهذا سعيت في مجمل ما كتبت عن العمارة الإسلامية، ومنتجها الحصيف، ان اثير اهتمام القراء الى قيمة ما أنتج، والى إمكانية تفسير وتأويل ذلك المنتج، وجعله ليكون مرجعية مهنية، بمقدورها ان تؤسس لمقاربة معمارية محلية مميزة، تثري في الأخير، منتج الثقافة الانسانية والعمارة العالمية على وجه الخصوص". ويشير في مكان آخر من المقدمة، بان منتج العمارة الاسلامية ينطوي على تنويع مدهش لمدارس ومقاربات اسلوبية مختلفة. وهذا "التنوع ضمن الوحدة"، ما انفك يبقى من اساسيات خصائص هذا المنتج الإبداعي واسماً إياه بسمات مميزة. وتعد مدرسة "عمارة بلاد ما وراء النهر" احدى المدارس المؤثرة في هذا المنتج المعماري، والاضافة الإبداعية المهمة في ذخيرة تلك العمارة. ورغم قيمة واهمية ما أنتج من عمارة تتسم على فرادة تصميمية واضحة، واجتراح تكوينات تصميمية خلاقة في ذلك الإقليم، فان منتج تلك المدرسة، لم ينل، مع الأسف، اهتماما كافيا من قبل كثر من الدارسين والمهتمين في العمارة الإسلامية. وترجع بواعث هذا التغاضي والإهمال غير المبررين الى اسباب عديدة، اشتركت فيما بينها، في جعل "دائرة الاهتمام المهني" بعيدة عنها. ولعل الحالة "الجيو سياسية" وظرفها المكاني التي وجدت عمارة بلاد ما وراء النهر نفسها فيهما، ساهمتا مساهمة مؤثرة في تكريس "غربة" هذا الإنتاج المميز، وعدم انتشاره او حتى معرفته في أوساط ثقافية واسعة. فمن النادر، حسب علمنا، ان تجد منشورات خاصة تتعاطى مع هذا المنتج لوحده، في ادبيات النشر المهني العربي (ان لم نقل عدم وجودها اصلاً). وهذا، يمثل، في اعتقادنا، نقصا معرفيا كبيرا، وقصورا في إدراك ما تم إنجازه من منتج متنوع خاص بالعمارة الإسلامية".&
يذكر المؤلف ان اهتمامه بموضوعته، كان اهتماما "قديما"، ويشير الى ذلك بما يلي"... يعود اهتمامي الكبير (هل أقول شغفي العميق؟!) بعمارة بلاد ما وراء النهر، الى فترة زمنية بعيدة، وتحديداً الى مطلع السبعينات من القرن الماضي، عندما كنت احضّر في "مدرسة موسكو المعمارية" لأطروحتي للدكتوراه &في موضوع "العمارة العربية الحديثة". &ونصحني، وقتها، مشرفي المعمار "ميخائيل بارش"، ان ازور معالم عمارة "آسيا الوسطى" (وهو الاسم الشائع لعمارة <بلاد ما وراء النهر> في ادبيات النشر الروسية والسوفيتية والغربية أيضا). وفي حينها، دُهشت لمدلول هذا المقترح، الصادر من أحد رموز عمارة "الكونستروكتفيزم" Constructivism، (الذي كان استاذي ينتمي اليها)، تلك المقاربة المعمارية "العشرينية" الرائدة والطليعية، التي قُدر لها ان تغيّر مسار العمارة العالمية، وتبدل الكثير من قناعاتها، فاتحة الطريق على مصراعيه، لظهور الى ما يعرف بـ "العمارة الحديثة". لقد خُيل اليّ، في حينها، كيف يمكن ان يكون احد رجالات تلك المقاربة الحداثية مهتماً بشواهد التراث المعماري؛ وكيف يمكن إيجاد ربط بين مقترحه و"موضوعة" اطروحتي المكرسة لشواهد الحداثة في منتج العمارة العربية؟! لكني، وبعد زيارتي الأولى لمعالم تلك العمارة بذلك الإقليم النائي، ادركت مغزى وقيمة مقترح استاذي الجليل. وتعلمت بان مفهوم "الحداثة"، و"الحداثة المعمارية" على وجه اليقين، لا ترتبط بفترة زمنية معينة، كما لا يمكن "تكبيلها" بإطر ومحددات حالتها التاريخانية. انها مفهوم ابداعي، يتمرد في جوهره وتمظهراته، عن السائد والشائع والمألوف، حتى ولو بدا وكأنه يكرس قطيعة "أبستمولوجية" ومهنية مع ذلك الشائع والمألوف.&


ومنذ ذلك الوقت، وكلما سنحت الفرصة بذلك، وانا أزور باستمرار ذلك الإقليم وعمارته المدهشة، متأملاً نماذجه التصميمية، ومحاولاً ادراك كنه وقيمة حلوله التكوينية عالية المهنية، مصورا للكثير من امثلته المبنية، عاملا بعض "الرسوم السريعة" Sketches لبعض نماذجه المميزة (انشر بعضاً منها في هذا الكتاب)، زيادة في التوثيق &وترسيخ "اميج" تلك العمارة في الذاكرة الذاتية. وإذ اطمح بتفهم قراء كتابي المحترمين، وتقديرهم للمشاعر الجياشة التي قد يصادفونها في بعض كلمات النص الكتابي، فما هذا الا تعبيرا عن شغفي وولعي بـ "ثيمتي" المتمثلة بقراءة تلك العمارة المبهرة، قراءة جديدة، واحيانا مؤوله، وكذلك محاولة إيصال الإحساس لمثل ذلك الشغف والولع الى القراء الكرام".
واخيرا، فان المؤلف يعتبر بان ".. مهمة إنجاز هذا الكتاب وإتمامه، يدخلان ضمن محاولات قراءة عمارة ما وراء النهر (كاحدى تنويعات منتج العمارة الإسلامية)، قراءة علمية وتحليلية ومهنية، بحيث تظهر تلك العمارة أهميتها الواقعية، ودورها لجهة التأسيس المعرفي، والتأكيد على ما تكتنزه، وما تنطوي عليه من ابداع، وخلق، وفنية، والتى ما انفكت تمنح نماذج تلك العمارة الرصينة، اهميتها وقيمتها التكوينيتين، وموحية، في الاخير، بمقومات التأويـــل والتفسير. كما اجد في "موضوعة" الكتاب الخاصة بعمارة بلاد ما وراء النهر، نوعاً من تقديم جانب معرفي آخر لما اجترحته "العمارة الإسلامية" من منجز معماري هام ورفيع. ولهذا فقد شغفت بـ "ثيمتها" شغفا كبيرا، ومنحتها وقتا طويلا، على الرغم انها لم تحظ، كما اشرت، باهتمام الدارسين والمؤلفين العرب. لقد حرصت ان اتعاطى معها كموضوع مهم يدلل على تنويعات منتج العمارة الإسلامية، ويتسم على قدر كبير من الاجتهاد التصميمي والقيمة الجمالية العالية. واذ قدّر لقارئ الكتاب ان "يكتشف" ذلك الشغف المهني، وان "يحس" بما اكنه من تقدير واهتمام عاليين لمنجز العمارة الإسلامية، وتحديدا لاحد تنويعاتها المهمة والذكية، المتجسدة في منتج <عمارة بلاد ما وراء النهر>، فاني افترض، بان الجهد المبذول طيلة سنين عديدة، والمسعى المكرس لتعقب وتبيان واضاءة هذا الموضوع المعرفي والمهني، لم تذهب سدى!"
جدير باتنويه، ان جميع الصور الفوتوغرافية الملونة، المنشورة في الكتاب، هي من تصوير المؤلف. وقد بلغ عددها اكثر من &750 صورة، ملتقطة من الواقع، ومن مكان الاثر المعماري المرئي، تجسد وتظهر هذا الارث التصميمي الفاتن... والآسر معا!