ثمة قانون سيكولوجي، لا يستثني أحداً، يقول: "كل ما يقع خارج سلطان الأنا الشخصية، في أعماقنا، يتمّ إسقاطه على الآخر".
وهذا معناه أننا من خلال أي نقص نستشعره في ذواتنا نحاول باللاوعي رؤيته في الآخر، محاولين بذلك الهروب من هذا النقص. أما الفاتورة، ففي نهاية الأمر يدفعها هذا "الآخر".
على الأغلب، جميعنا مصابٌ بعمى سيكولوجي عندما يتعامل مع الآخر. فلا أحد منّا ينظر إلى الآخر بصورته الطبيعية من دون أن يُدخل عليه إضافات وعمليات "ميك آب" تجميلية أو تشويهية، لا فرق.
فعلى سبيل المثال إنَّ الشخص الذي يحب بطريقة عذرية صوفية لا يستطيع رؤية الفتاة التي وقع عليه اختياره لتكون زوجته إلا كفتاة أفلاطونية مقدّسة، مع أنها ليست كذلك في الواقع، وقد لا تستطيع تمثيل هذا الدور طيلة حياتها. وأيضاً الرجل الذي اعتاد على الكذب لتسيير أموره الحياتية تراه لا يُصدِّق أحداً على الإطلاق. والنتيجة في كلا الإسقاطين كارثية.
المشكلة تكمن هاهنا في أننا عندما نحاول مواجهة عيوبنا بصدق فإننا لا نستطيع ذلك، إلا إذا وضعنا هذه المشكلة نصب أعيننا، وهذا ما نفعله بالضبط عند إلقاء سبب المشكلة على كاهل الآخر (الزوج والأخ والصديق...). وهذا التحويل يشوّه حقيقة هذه العلاقة. فنحن بذلك لا نحلُّ مشاكلنا الخاصة بل نرمي بها على
أكتاف غيرنا، أي على كتفَي الشخص الذي وقع عليه حكم "كبش المحرقة".
والسؤال: إلى متى سنظل نحل مشاكلنا على حساب غيرنا... وعلى طريقة "قرابين النبي موسى"؟
فقد كان قدماء اليهود عندما يمارسون طقوس التطهُّر من الخطيئة ومحاولة التخلُّص من الذنب (بشكل رمزي طبعاً)، يضعون أيديهم على قرون التيس ويعترفون بكل ما اقترفته أيديهم، مُلقين بكلّ مساوئهم على رأس هذا التيس المسكين، ثمّ يطلقونه في البرّيّة. وعندما تتناهشه الوحوش والذئاب فإنها، برأيهم، ستأكل خطاياهم معه!
الأنا الشخصية هي جزء من الذات، وهي تمثّل جزيرة صغيرة تتوسَّط محيطَ الذاتِ العملاق. الأنا شيء شخصي بينما الذات مطلقة ومتشابهة لدى الجميع.
ومن خلال أنا قوية متماسكة نستطيع سبر أغوار هذه الذات بكل ما فيها من سيئات ومن كنوز. وهذه المسألة، إلى حد كبير، مرهونةٌ بنا. وكما كان يقول سقراط دائماً: "إعرفْ نفسك بنفسك".
احتياز الشعور بالأنا يخلق أنا واثقةً ومتصالحةً مع ذاتها، لا معزولة وخائفة من ذاتها وهاربة منها، وبالنتيجة مغتربة عنها.
احتياز الشعور بالأنا يخلق أنا سليمةً متوافقةً مع ذاتها. وكلَّما توسَّعت رقعة احتياز الشعور بالأنا ازدادت مساحة احتياز الشعور بالذات... التي هي - وفي الكثير من الأحيان - غريبةٌ بمكوّناتها على معظم البشر.

باحث سوري في علم النفس التحليلي.
&