من الاعتقادات الشائعة أن حقوق الإنسان والديمقراطية يجب أن تنتصر لأنها أهداف نبيلة وصائبة، وأن المسحوقين في العالم يتطلعون إلى الحرية ولا بد أن يفوزوا بها ذات يوم. لكن المؤرخ الأميركي روبرت كيغان يرى أن هذا وهم خطير.&

إيلاف: يوصف كيغان بأنه من المحافظين الجدد وداعية من الطراز القديم إلى استخدام القوة من أجل دعم القيم الليبرالية، رغم أنه يرفض هذا التوصيف. &

انتقاد مبطن لترمب
يقول كيغان في كتابه الجديد The Jungle Grows Back: America and Our Imperiled World "الغابة تعود إلى النمو: أميركا وعالمنا المهدَّد": إن التقدم كان ممكنًا بفضل الحماية التي أُحيطت بها الليبرالية... بل بقوة أميركا". السؤال هو ما سيحدث للحرية عندما تتراجع القوة. من هنا جاء عنوان كتابه القائل إن الغابة ستعود إلى النمو من دون هذه القوة. &

تشير مجلة "إيكونومست" في مراجعتها لكتاب كيغان الجديد إلى أنه تناول هذا الموضوع في كتاب سابق نشره عام 2012 بعنوان "العالم الذي صنعته أميركا"، حيث يفسر انتشار الديمقراطية بعد الحرب العالمية الثانية، بمفردات الهيمنة الأميركية المتعاظمة. لكن هذا كان قبل انتخاب دونالد ترمب، الذي لم يهمل السياسة الخارجية، بقدر ما انهال عليها ركلًا، على حد تعبير "إيكونومست". &

ورغم أن ترمب لا يظهر في كتاب كيغان الجديد بالاسم إلا نادرًا، فإن الكاتب يوجّه نقدًا لاذعًا إلى موقفه الأهوج والمدمر من الدبلوماسية. &

احتواء الاتحاد السوفياتي
يتحدث كيغان عن الفوضى التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى، وصعود البلشفية والفاشية، نتيجة لتلك الفوضى. ويوضح كيف أن الحرب العالمية الثانية أقنعت الأميركيين بأن "طريقة حياتهم لن تكون في مأمن في عالم تسيطر فيه قوى أوتوقراطية معادية على أوروبا وآسيا".&

بحسب كيغان فإن الأميركيين نسوا أن أي نظام استبدادي معادٍ إنما هو تهديد لهم، وليس الاتحاد السوفياتي وحده، الذي كانت أميركا لا تراه عدوًا إلا بعدما قررت التخلي عن نزعتها الانعزالية. ورغم أن احتواء الاتحاد السوفياتي أصبح محور السياسة الأميركية خلال الحرب الباردة فإن منطق القيام بدور عالمي، الذي يكمن في أساس تلك السياسة، ظل ساريًا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. &

لكن دعوات متزايدة انطلقت مطالبة أميركا بالكفّ عن التصرف وكأنها شرطي العالم. وفي أعقاب غزو العراق واستمرار حرب أفغانستان أصبح من المتعذر تقريبًا على السياسيين الأميركيين أن يقاوموا هذه الدعوات. &

شك متبادل
يرى كيغان أن الأميركيين في عهد ترمب نسو أيضًا أن حلفاءهم لن يقبلوا السلام الأميركي، إلا إذا بدا لهم سلامًا عادلًا. وإذا كان التحالف مجرد أداة لخدمة القوة الأميركية، وإذا أهملت أميركا أمن شركائها، فإنهم سيبتعدون عنها. &

ويحذر من أن النظام العالمي من الأشياء التي لا يفكر فيها الناس إلا عندما تختفي. وهناك دول تعترف بأن ضمانات أميركا الأمنية منعت تصاعد الصراعات التي يمر بها العالم. فألمانيا واليابان شعرتا بالأمان بعد الحرب العالمية الثانية، بحيث هجرتا النزعة العسكرية، وركزتا على البناء الاقتصادي.&

يعتقد كيغان أن هناك قوى لا تزال تعمل لتقويض السلام العالمي، وأنه من دون أميركا فإن العالم سيواجه ما سمتها وزارة الخارجية الأميركية في عام 1945 "سياسة القوة المحضة وبكل بساطة". &

ستظهر دوائر نفوذ ينعدم فيها الاستقرار ويسود الشك المتبادل. يكتب كيغان "إننا لا نواجه خيارًا بين الجيد والسيئ، بل بين السيئ وما هو أسوأ. إنه خيار بين الحفاظ على النظام العالمي الليبرالي مع كل ما يترتب على ذلك من أثمان أخلاقية ومادية، أو تركه ينهار، ومغازلة الكارثة التي من المحتم أن تعقب انهياره". &

هذه رؤية كالحة. وحتى إذا استهان كيغان بقوة الفكرة على تحريك الشعوب، مثلما حركت الديمقراطية الليبرالية شعوب أوروبا الشرقية خلال السنوات الأخيرة من الحرب الباردة، فإنه محق في قوله إن هناك أزمة ثقة في العالم الديمقراطي. وهو يطرح وجهة نظره بقوة واقتناع. لكن "إيكونومست" ترى أن من المؤكد تقريبًا أن تُقابل كلماته باستهجان في أميركا ترمب. &

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "إيكونومست". الأصل منشور على الرابط

https://www.economist.com/node/21751257?frsc=dg%7Ce


&