أفرزت الحرب السورية في سنواتها الأخيرة الكثير من حالات الطلاق الغيابي التي بدت تطفو على الساحة وبنسب مرعبة، وهذا غالباً ما يتمّ بغياب الزوج أو الزوجة، سواء أكان ذلك داخل البلد أو خارجه، وطالما تنفضُّ العلاقة الزوجية لمجرد تلفّظ الزوج بلفظ الطلاق المكروه شرعاً، وهذه الظاهر أصبحت مع مرور الوقت مثالها مثال أي إجراء، أو حدث عادي جداً لم يَعُد يلتفت إليه أحد؛ لأنه صار مظهراً يومياً لأغلب الأسر يصاحبها نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي، والظروف القاسية، فضلاً عن السفر الذي صار يلجأ إليه أغلب الناس، لمن استطاع إليه سبيلاً، وبصورة خاصة المتزوجين منهم على وجه التحقيق، هرباً من واقع سيئ لأبسط الضوابط التي لا يمكن معها أن تؤسس لحياة مستقبلية، وحتى بالنسبة إلى الشباب الذي صار الأغلبية منهم يعزفون عن الزواج لعدم القدرة على تلبية متطلبات الحياة اليومية وما أكثرها في ظل الزوج الذي يُبيح لنفسه كل شيء، بينما الزوجة المسكينة ـ مكسورة الجناح ـ تظل يدها قاصرة عن فعل ما يُطلب منها، وهي بحاجة إلى سند لا شكَّ تركن إليه من الواقع الأليم الذي يعيشه ابن سوريا، والظروف القاسية التي لامست الأغلبية، وما زالت تشكل عنواناً كبيراً لحياته التي لم تَعُد تُطاق!

فالمرأة ة ـ الزوجة، صارت وبدون أي ذنب اقترفته، خارج عشّ الزوجية بلا مأوى، وهذه معضلة كبيرة لا يمكن السكوت عنها، والأنكى من ذلك في حال وجود الأطفال، ولا يوجد من معيل يرعاهم ويساعدها على حملها الثقيل، وهذا ما يستوجب عليها تحمّل معاناتها في ظلّ غياب الزوج، والدعم المادي والرعاية التي تلقاها كما هو الحال في الدول الأوروبية التي تهتم بالزوجة المطلقة وأولادها، وتحميها من أي ظرف خارجي، وتقدم لها ولأطفالها المعيشة الطيّبة بعيداً عن تسلط الزوج ونفَسه الضيّق، وتعامله الخشن، وهذا ما يستوجب عليها تحمّل معاناة وجهد كبير تتعرض له في سوريا وفي غيرها من البلاد العربية، فضلاً عن مواجهة المجتمع الذي لا يرحم أحد، وطالما يقف لها بالمرصاد ويسجل عليها مخالفاتها وتجاوزها الإشارة الحمراء في كل تصرف تقوم به ويحسب عليها؛ لأنها أصبحت في عداد المطلقات، وهنا الطامّة الكبرى. وتتفاقم مشكلتها مع مرور الوقت، ولا تجد من يقف إلى جانبها يهتم بها، و يرعى معاناتها بالعمل على حلها، ناهيك بالنظر الدونية لها، ومحاربتها من قبل الجميع، ومن أهلها أولاً على الرغم من معرفتهم الأسباب الحقيقية وراء ما جرى لها، والقذف بها من قبل الزوج خارج عشّ الزوجية، ودور الجاني الذي دفع بها إلى ترك بيتها وهروبها من يد تبطش بها مع كل صباح، بالإضافة إلى تعامله السيء وصراخه وكلماته النابية التي توجّه إليها بصورة يومية ما دفع بها إلى طلب الطلاق وتحملها معاناة الواقع الاقتصادي المنهار!

وإذا ما وقفنا عند السبب المباشر للطلاق، فبالتأكيد إنّ الوضع الاقتصادي يأتي في مقدمة ذلك، ناهيك بغياب الوعي الثقافي لدى العائلة، ولا سيّما لدى الزوجين.. وهناك أسباب مهمّة جداً بات يعرفها ابن سوريا، وهي مشكلة النزوح، والهجرة الداخلية التي عانى منها، وهذا ما أسهم في زيادة حالات الطلاق، وتفاقمها يوماً بعد آخر، ناهيك ما تركته من آثار جانبية، ً على المجتمع، وعلى الزوجين بصورة خاصة.

وفي إحصائية صادرة عن المكتب المركزي للإحصاء يؤكد أن ارتفاع معدلات الطلاق خلال السنوات الأخيرة باتت متقاربة مع حالات الزواج.

وفي العودة إلى عقود الزواج في عام 2021 في سورية، فقد بلغت 237944 عقداً بلغ عدد حالات الطلاق خلال العام نفسه 41957 شهادة بنسبة حوالى 18 بالمئة من إجمالي واقعات المكتب المركزي للإحصاء الذي يتبع رئاسة مجلس الوزراء، وهو الجهة الرسمية والمسؤولية عن الإحصائية وجمع البيانات والمعلومات المتعلقة بالأنشطة الاقتصادية والاجتماعية ومختلف الأنشطة العامة في سوريا.

فالطلاق يظل أبغض الحلال، ومن مساوئه هدم المجتمع بأكمله، أضف إلى العادات والتقاليد التي تقف حائلاً أمام نجاح الأسرة واستقرارها، بل تعمل على هدمها، إذ طالما يقع الظلم على المرأة، والأطفال هم الضحية في ظل تمكّن الرجل من إخفاء ما يمكنه من مال ومحاولته إبعاد تلك الشبهة عنه بعدم قدرته على دفع التكاليف لأطفاله وطليقته من ضغط المجتمع، والعادات والتقاليد التي تقيّد حياة المرأة والأسرة بصورة عامة.

وهناك العديد من الظواهر الخطيرة الناتجة عن ازدياد حالات الطلاق، ومن أهمها أسباب عزوف الشباب عن الزواج نتيجة المشاهدات اليومية التي يلحظونها، والقصص الغريبة التي لم تعد خافية على أحد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت ساحة لنشر أمثال هذه القصص التي صارت تشكل عبئاً كبيراً على المجتمع من خلال العلاقات غير الصحية، ولم يعد هناك أي حاجز يقف أمام كل هذه الصور التي أساءت إلى مجتمعنا الذي يعاني الفقر والحاجة!