كشف علماء الآثار عن أعمال فنية رائعة خلال أعمال تنقيب جديدة في مدينة بومبي، المدينة الرومانية القديمة التي دُفنت على إثر ثوران بركان جبل فيزوف عام 79 ميلاديا.

ويقول علماء الآثار إن اللوحات الجدارية المكتشفة تُعد من بين أفضل اللوحات التي أمكن العثور عليها في أنقاض الموقع القديم.

وتصور اللوحات شخصيات يونانية أسطورية، مثل هيلانة الطروادية، على جدران سوداء عالية في قاعة الولائم الكبيرة.

كما تكسو أرضية القاعة فسيفساء شبه كامل يضم أكثر من مليون بلاطة بيضاء.

ولا يزال يتعين تنظيف ثُلث المدينة المفقودة بسبب الحطام البركاني، وتؤكد أعمال التنقيب الحالية، وهي الأكبر منذ جيل، مكانة بومبي باعتبارها النافذة الأولى في العالم على شعب وثقافة الإمبراطورية الرومانية.

وتحدث مدير الموقع الأثري، غابرييل زوتشتريجيل، حصريا عن "القاعة السوداء" لبي بي سي يوم الخميس.

ويرجح العلماء أن يكون اللون الصارخ للجدران قد وقع عليه الاختيار بغية إخفاء رواسب دخان المصابيح المستخدمة أثناء الترفيه بعد غروب الشمس.

وقال زوتشتريجيل: "انت اللوحات تنبض بالحياة تقريبا بفعل الضوء المتلألئ".

وتتألف اللوحة الجدارية من قطعتن ثابتتين، إحداهما، يظهر الإله أبولو وهو يسعى إلى إغراء الكاهنة كاساندرا، وقد أدى رفضها له، بحسب الأسطورة، إلى تجاهل نبوءاتها.

كما تسرد الجدارية النتيجة المأساوية في لوحة ثانية، إذ يلتقي الأمير باريس بالجميلة هيلانة، وهو اتحاد تعرف كاساندرا أنه سيهلكهم جميعا في حرب طروادة.

وتعد القاعة السوداء أحدث كنز يُكتشف في أعمال التنقيب، التي بدأت قبل 12 شهرا، وهو تحقيق سيُعرض لاحقا في حلقات وثائقية لبي بي سي و"ليون تي في" خلال شهر نيسان (أبريل).

كما تجري أعمال تنظيف مبنى سكني وتجاري واسع، يُعرف باسم "المنطقة 9"، ورفع عدة أمتار من الرماد الذي ألقاه فيزوف قبل نحو 2000 عام.

ويتعين على خبراء الآثار التحرك بسرعة لحماية الاكتشافات الجديدة، ونقل كل ما بوسعهم إلى المخازن لحفظها.

أما بالنسبة للوحات الجدارية التي يجب أن تظل في مكانها، فيستعين على الخبراء حقنها بمادة لاصقة من الجبس في الجزء الخلفي منها منعا لانفصالها عن الجدار، فضلا عن دعم البناء بالسقالات ووضع الأسقف المؤقتة على القمة.

وكانت كبيرة المرممين، روبرتا بريسكو، قد أمضت يوم الثلاثاء الماضي في محاولة لمنع قوس من الانهيار.

وقالت: "المسؤولية هائلة، انظروا إليّ"، كما لو كانت تشير إلى أن الضغط النفسي كان له تأثير واضح عليها.

وأضافت: "لدينا ولع وحب كبير تجاه ما نفعله، لأن ما نكشف عنه ونحافظ عليه هو من أجل الأجيال التي ستأتي بعدنا".

وسلطت المنطقة 9 الضوء على قصص وأسرار جديدة بالنسبة لعلماء الآثار.

كانت أعمال التنقيب في أواخر القرن التاسع عشر قد كشفت عن وجود مغسلة في إحدى الأركان، بيد أن أعمال التنقيب الجارية كشفت عن وجود مخبز للبيع بالجملة بجوار المغسلة، بالإضافة إلى مقر سكني كبير بقاعته السوداء.

ويرجح فريق الأثار بثقة إمكانية ربط المناطق الثلاث ماديا عبر أنابيب المياه وممرات معينة، وأيضا من حيث ملكيتها.

ويوجد بعض التلميح إلى هوية هذا الشخص المالك في العديد من النقوش موقعة بالأحرف الأولى"ARV" ، وتظهر الحروف على الجدران وحتى على أحجار الرحى في المخبز.

وقالت عالمة آثار المنطقة، صوفي هاي: "نعرف من هوARV إنه أولوس روستيوس فيروس".

وأضافت: "نعرفه من خلال الدعاية السياسية الأخرى في بومبي أنه سياسي، وشديد الثراء، ونعتقد أنه ربما يكون مالك المنزل الفاخر الواقع خلف المخبز ومغسلة الملابس".

بيد أن الواضح أن جميع العقارات كانت تخضع لأعمال تجديد وقت ثوران البركان.

هرب العمال وتركوا بلاط السقف مكدسا بشكل منظم، ولا تزال أوانيهم من الملاط الجيري مملوءة في انتظار استخدامها، وبقيت موالج البناء والمعاول الخاصة بهم في مكانها، على الرغم من أن المقابض الخشبية تعفنت منذ فترة طويلة.

استطاعت خبيرة الآثار، ليا تراباني، تسجيل وفهرسة كل شيء بدءا من أعمال التنقيب.

تصل تراباني إلى واحد من آلاف الصناديق أو أكثر التي تضم قطعا أثرية موجودة في مخزنها وتسحب من صندوق قطعة مخروطية قصيرة فيروزية اللون.

وتقول: "إنه ميزان رصاص رأسي، تماما مثل عمال البناء اليوم، كان العمال الرومان يستخدمونه لضبط ومحاذاة الأسطح الرأسية".

تحمل تراباني القطعة المخروطية بين أصابعها وتقول: "ترى، إذا نظرت عن قرب، هناك قطعة صغيرة من خيط روماني مربوطة حتى الآن".

أراد عالم الآثار، أليساندرو روسو، أن يعرض أمامنا لوحة جدارية للسقف استُخرجت من إحدى الغرف، وكانت قد تحطمت خلال ثوران البركان، ووضع قطع الجدارية المستخرجة، في وضع بانورامي، على طاولة كبيرة.

رش روسو القطع المصنوعة من الجص برذاذ الماء، كي يجعل تفاصيلها وألوانها الزاهية أكثر وضوحا.

يمكنك رؤية مناظر طبيعية برموز مصرية، وأطعمة وزهور، وبعض الأقنعة المسرحية.

وأوضح: "هذا هو اكتشافي المفضل خلال أعمال التنقيب هذه لأنه اكتشاف معقد ونادر، عالي الجودة بالنسبة لشخص رفيع المستوى".

وإذا كان من الممكن وصف اللوحة الجدارية لسقف المبنى الكبير بأنها رائعة، فإن بعض ما يكشف عنه المخبز يبرز جانبا أكثر وحشية من الحياة الرومانية، ألا وهو العبودية.

من الواضح أن الأشخاص الذين عملوا في هذا المخبز ظلوا محبوسين في ظروف مروعة، كانوا يعيشون جنبا إلى جنب مع الحمير التي تدفع أحجار الرحى، ويبدو أنه كانت توجد نافذة واحدة بها قضبان حديدية لمنع الهروب.

كما اكتشف العلماء في المخبز أيضا هياكل عظمية خلال أعمال التنقيب، إذ سُحق شخصان بالغان وطفل بسبب سقوط الحجارة عليهم، ويعتقد العلماء أنهم ربما كانوا من العبيد حوصروا في المكان وعجزوا عن الفرار من ثوران البركان، إنه مجرد تخمين.

وقال عالم الآثار المشارك، جينارو إيفينو: "خلال أعمال التنقيب، نتساءل عما نشاهده".

وأضاف: "الأمر أشبه إلى حد كبير بخشبة المسرح، أمامك مشهد، وخلفية، والجاني هو جبل فيزوف. يجب أن يكون عالم الآثار لديه القدرة على ملء الفراغات، وسرد قصة الممثلين المفقودين، والعائلات والأطفال، والناس الذين ماتوا هناك".