تنشغل عزة وشقيقتها تغريد بإعداد عشرات الكيلوات من الكعك والمعمول على الطريقة الفلسطينية، إذ تضاعف الطلب على منتجاتهما قبيل عيد الفطر.

ولم تتوقع الشقيقتان اللتان جاءتا من غزة إلى مصر في أعقاب اندلاع الحرب أن يحصل مشروعهما للخبز في المنزل على هذا الإقبال الكبير.

يتوسط صالة بيت عزة في منطقة الدقي بالقاهرة الكبرى فرن كبير، تجلس أمامه يوميا بالساعات لخبز الحلوى الفلسطينية بجانب شقيقتها تغريد وابنتها فاتن، اللتين يعملان دون كلل، بينما يتولى أزواجهن مهمة استقبال الطلبات عبر تطبيق واتس أب، وتحضيرها للتوصيل، والإعلان عنها.

وكانت عزة تملك متجرا للملابس في قطاع غزة، لكن دُمر في قصف إسرائيلي، كما قُصف منزلها أيضا، وبات هذا المشروع الذي بدأته في القاهرة لخبز المعمول والحلوى الفلسطينية مصدر دخل أساسيا لعائلتها لمواجهة تكاليف الحياة التي ترتفع يوما بعد يوم في القاهرة.

بعد اندلاع الحرب في قطاع غزة، تزايدت أعداد الأسر الفلسطينية التي جاءت إلى مصر، ومع استمرار النزاع لأشهر لم يجد العديد منهم سبيلا للعيش سوى إعداد المأكولات والحلويات الفلسطينية في المنزل وبيعها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

من المسخن الفلسطيني، والفطائر والمخبوزات وزيت الزيتون والزعتر والكعك والمعمول على الطريقة الفلسطينية، تنتشر مئات الإعلانات عبر موقع فيسبوك، لمأكولات فلسطينية غير مألوفة على المطبخ المصري، جاء بها أهل غزة إلى مصر بعد الحرب.

إقبال مصري وفلسطيني

جاءت عزة وشقيقتها إلى مصر بعد نحو أسبوع من اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتقول السيدة الفلسطينية في حديث لبي بي سي نيوز عربي "في البداية، كان معنا ما يكفي من النقود، وكان الوضع جيدا لكن حين طالت الحرب، أردنا أن يكون لنا دخل يساعدنا على مواصلة العيش هنا، فبدأنا في إعداد الكعك والمعمول الفلسطيني".

أنشأت عزة وشقيقتها صفحة على موقع فيسبوك للتسويق لمنتجاتهما، وكان أول طلب لهما عبر مجموعة الجالية الفلسطينية في القاهرة، هو كعك ومعمول فلسطيني للمصابين الفلسطينيين الذين جاءوا لتلقي العلاج في المستشفيات المصرية.

وتضيف "بعد ذلك، تفاجئنا بحجم الإقبال من الجانبين، من الفلسطينيين والمصريين، خاصة المصريين، شعرنا بأنهم يشترون مّنا لأنهم يريدون دعمنا".

تنتشر مئات الإعلانات عبر موقع فيسبوك، لمأكولات فلسطينية غير مألوفة على المطبخ المصري
BBC
تنتشر مئات الإعلانات عبر موقع فيسبوك، لمأكولات فلسطينية غير مألوفة على المطبخ المصري

الأزمة الاقتصادية تؤثر أيضا

وككثير من المصريين تأثر عمل الشقيقتين بالأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر، ولا سيما الشق المتعلق بالارتفاع المتواصل لأسعار السلع، إذ تقول تغريد "كل يوم تتغير تكلفة المعمول، وتزيد بشكل يومي تقريبا، حين بدأنا كان سعر كيلو السميد المستخدم في المعمول 30 جنيها، لكن سعره وصل الآن إلى 45 جنيها، وفي بعض الأيام كان يصل لـ 50 جنيها".

وتواجه مصر أزمة اقتصادية في الشهور الماضية أدت إلى ارتفاعات كبيرة في أسعار كافة السلع وخاصة السلع الغذائية، كما شهدت العملة المحلية انخفاضات متتالية خلال العامين الماضيين، وارتفع سعر الدولار أمام الجنيه ليبلغ نحو 48 جنيها للدولار الواحد.

تضيف تغريد "كان الله في عون الشعب المصري، نحن جئنا في ضيافة شعب يعاني وظروفه صعبة جدا، ليس من المطلوب أن يدعموننا، يكفي أن يفتحوا المعبر والمستشفيات، لأن المعبر هو متنفسنا الوحيد".

تغريد مسعود
BBC
تغريد مسعود

نفتقد طعام غزة

كان افتقاد شروق للأطعمة التي اعتادت تناولها في غزة هو ما دفعها لإنشاء صفحة على فيس بوك، تبيع من خلالها المنتجات الفلسطينية. جاءت شروق إلى مصر في يناير/ كانون الثاني الماضي، وإلى الآن تقيم في القاهرة.

وفي حديث مع بي بي سي نيوز عربي، تقول شروق وهي سيدة فلسطينية أيضا بدأت مشروعا لبيع المنتجات الفلسطينية عبر فيس بوك، إن بداية عملها كان لتوفير المنتجات الفلسطينية لأصدقائها ومعارفها الفلسطينيين، مثل زيت الزيتون والزعتر والدقة والفلفل الأحمر والجبن على الطريقة الفلسطينية.

وتواصل قائلة "في أول أسبوع كان كل من يطلبون مني هم فلسطينيون يعيشون في القاهرة أو جاءوا بعد الحرب، في أحد الأيام اشترى مني شخص مصري، ثم فوجئت به وقد وضع منشورا على موقع فيس بوك يمتدح فيه المنتجات التي اشتراها، ومن وقتها لم تتوقف الطلبات".

وخلال الأسابيع الماضية انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي كثير من المنشورات التي تدعو لشراء وتجربة المأكولات الفلسطينية التي يصنعها الفلسطينيون الذين جاءوا إلى مصر بعد الحرب، وهي منشورات يلاقي أغلبها رواجا.

تقول شروق "أحيانا يتصل بي أناس لا يعرفون المنتجات الفلسطينية، وأشرح لهم ما هي الدقة وما الزعتر، ويشترون منها لتجربتها، أشعر أنهم يشترون منّا لمساعدتنا ولدعم أهل غزة".

نحلم بالعودة

حين اندلعت الحرب داخل قطاع غزة، كان كل ما تفكر فيه تغريد، وشقيقتها عزة هو الخروج من القطاع، للنجاة بأنفسهم وبعائلاتهم من قتال مستعر، لكن بعد نحو ستة أشهر في القاهرة، باتوا الآن يحلمون بيوم تتوقف فيه الحرب كي يعودوا إلى منازلهم.

تقول تغريد "في البداية كنا نفكر أن الخروج هو أصعب شيء، لكن حين جئنا هنا بعيدا عن منازلنا وأرضنا نشعر بالضياع والدمار وعدم الاستقرار".

وتضيف "أنا أمنيتي أن تتوقف الحرب وأعود لداري، حتى لو أجلس في خيمة بجانبها، أنا أرى نفسي مثل سمكة، لا أستطيع العيش خارج بحر غزة".

الحلم ذاته يغازل شروق التي تقول "لا غنى عن غزة، إذا توقفت الحرب وبدأت إعادة الإعمار سنعود، لكن بالوضع الحالي صعب، خاصة وأنا معي طفلة صغيرة بحاجة للاستقرار والتعليم".