اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش قوات الدعم السريع في السودان بارتكاب إبادة جماعية في مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، غربي البلاد.

جاء ذلك في تقرير شامل للمنظمة من 186 صفحة بعنوان "المساليت لن يعودوا إلى ديارهم: التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية في الجنينة".

وجاء في تقرير المنظمة الحقوقية التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، أن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، من خلال استهداف قبيلة "المساليت" الإفريقية غير العربية، بشكل متعمد ومنهجي.

وأكدت المنظمة غير الحكومية أن "استهداف المساليت وغيرهم من المجتمعات غير العربية، بهدف واضح هو دفعهم إلى مغادرة المنطقة بشكل دائم، يشكّل تطهيراً عرقياً"، داعية إلى ضرورة فرض عقوبات على قادة قوات الدعم السريع وحلفائهم العرب.

وحددت هيومن رايتس ووتش قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي"، وشقيقه عبد الرحيم حمدان دقلو، وقائد قوات الدعم السريع في غرب دارفور جمعة بارك الله، باعتبارهم من يتحملون مسؤولية قيادة القوات التي نفذت هذه الجرائم.

كما حددت هيومن رايتس ووتش حلفاء قوات الدعم السريع، ومنهم قائد جماعة تمازج المسلحة وزعيمين قبليين عربيين، على أنهم يتحملون المسؤولية عن مقاتلين ارتكبوا جرائم خطيرة.

ونفى قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، استهداف المدنيين عمداً.

"استهداف متعمد للنازحين"

تستضيف تشاد المجاورة أكثر من 745.000 سوداني لاجئ، منذ بداية الصراع الأخير بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني عام 2023.
Getty Images
تستضيف تشاد المجاورة أكثر من 745.000 سوداني لاجئ، منذ بداية الصراع الأخير بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني عام 2023.

قال جان بابتيست غالوبان، أحد كبار الباحثين في هيومن رايتس ووتش، إن العام الماضي شهد "استهدافاً متعمداً لجميع المواقع التي تستضيف النازحين داخل الجنينة".

وأوضح غالوبان لبي بي سي، أن قوات الدعم السريع شنت هجمات مستمرة ضد الأحياء ذات الأغلبية من قبيلة المساليت، وذلك خلال سبعة أسابيع من نيسان (أبريل) إلى منتصف حزيران (يونيو).

وأضاف أن الوضع تغير منذ منتصف حزيران (يونيو) حيث "قُتل الوالي خميس أبكر، الذي كان أيضاً رئيس التحالف السوداني"، وبعد اجتماع لأعضاء الجيش ومقاتلي المساليت، تقرر إجلاء قواتهم.

وتابع: "حذا سكان هذه الأحياء حذوهم، ووصف الناس قافلة يبلغ طولها كيلومترات مكتظة للغاية، وتعرض الطابور لهجوم من قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، التي فتحت النار على الحشد وقتلت أعداداً كبيرة من المدنيين عمداً".

وبحسب التقرير، فقد جددت قوات الدعم السريع في تشرين الثاني (نوفمبر)، استهدافها المساليت، "الذين لجأوا إلى ضاحية أردماتا بالجنينة، واعتقلت رجالاً وأولاداً، وقتلت ما لا يقلّ عن ألف، وفق الأمم المتحدة".

وأضافت المنظمة أن "احتمال ارتكاب جرائم إبادة جماعية في دارفور يتطلب تحركاً عاجلاً من جميع الحكومات والمؤسسات الدولية لحماية المدنيين".

وأوصت بضرورة التحقيق في الوقائع التي ربما "تظهر نيّة محددة من جانب قيادة قوات الدعم السريع وحلفائها لتدمير المساليت وغيرهم من الجماعات العرقية غير العربية في غرب دارفور".

15 ألف قتيل في الجنينة

بخيت هارون يحمل ابنه الذي فقد القدرة على استخدام ساقيه بعد إصابته برصاصة في ظهره على يد قوات الدعم السريع العام الماضي في الجنينة بدارفور. الصورة في مخيم أمبيليا بالقرب من أدري، تشاد، بتاريخ 23 أبريل/نيسان 2024.
Getty Images
بخيت هارون يحمل ابنه الذي فقد القدرة على استخدام ساقيه بعد إصابته برصاصة في ظهره على يد قوات الدعم السريع العام الماضي في الجنينة بدارفور. الصورة في مخيم أمبيليا بالقرب من أدري، تشاد، بتاريخ 23 أبريل/نيسان 2024.

أفاد خبراء الأمم المتحدة بمقتل ما يصل إلى 15 ألف سوداني في مدينة الجنينة وحدها، العام الماضي.

وفي يوم واحد فقط من شهر حزيران (يونيو)، أحصى موظفو الهلال الأحمر ألفي جثة في شوارع المدينة.

وأورد تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش إفادة فتى يبلغ من العمر 17 عاماً، كان شاهداً على مقتل 12 طفلاً و5 بالغين من عائلات عدة.

ونقل التقرير عن ذلك الفتى أن قوتين من الدعم السريع فصلت الأطفال عن ذويهم الذين بدأوا في الصراخ، فـ"أردتهم قوتان أخريان قتلى بالرصاص".

وتابع التقرير نقلاً عن الشاهد أن قوات الدعم السريع "جمعت الأطفال وأطلقت عليهم النار، وألقت جثثهم وأمتعتهم في النهر".

وبحسب تقرير هيومان رايتس ووتش، فإن "الهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور السودانية، أدت إلى مقتل آلاف الأشخاص وخلفت مئات آلاف من اللاجئين".

وقد أدى القتال الدائر إلى نزوح جماعي إلى دولة تشاد المجاورة، التي تقول الأمم المتحدة إنها تستضيف أكثر من 745.000 سوداني.

وفتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً حول جرائم حرب محتملة في دارفور، تشمل أعمال عنف جنسية واستهداف مدنيين بسبب انتمائهم العرقي. وتقول المحكمة إن لديها "أسباباً للاعتقاد" بأن كلا الجانبين يرتكبان فظائع في الحرب.

وبدأت أعمال العنف في الجنينة بعد تسعة أيام من اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل/نيسان، بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، الشهير بحميدتي.

واستولت قوات الدعم على أربعٍ من عواصم ولايات إقليم دارفور الخمس، وهي منطقة تزيد مساحتها قليلاً عن مساحة العراق، ويسكنها نحو ربع سكان السودان البالغ عددهم 48 مليون نسمة.

ووفقاً للأمم المتحدة، فإن السودان "يشهد أزمة إنسانية ذات أبعاد خيالية"، جراء الحرب التي دفعت البلاد إلى حافة المجاعة ودمرت البنى التحتية المتهالكة، وشردت نحو 8 ملايين و700 ألف سوداني.

من جهة أخرى، وثقت هيومن رايتس ووتش قيام المساليت بقتل بعض السكان العرب في دارفور ونهب أحيائهم السكنية، وطلبت المنظمة غير الحقوقية من المجتمع الدولي أن "يدعم التحقيقات التي تجريها المحكمة الجنائية الدولية، لتمكينها من الاضطلاع بمهمتها في دارفور وفي مختلف أجندتها".

ونقل التقرير عن المديرة التنفيذية للمنظمة الحقوقية تيرانا حسن منشادتها "الحكومات والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة التحرك الآن لحماية المدنيين".

وقال جان بابتيست غالوبان، أحد كبار الباحثين في هيومن رايتس ووتش: "ندعو الأمم المتحدة، بالتعاون مع الاتحاد الإفريقي، إلى نشر بعثة على وجه السرعة مع تفويض لحماية المدنيين في السودان"، مؤكداً أن "الوجود الدولي سيكون حاسماً".

وأضاف لبي بي سي : "لا يوجد مكان آمن للمدنيين في السودان اليوم، سواء كنا نتحدث عن المناطق التي [يفترض أن] تكون آمنة للمدنيين التي يسيطر عليها الجيش أو قوات الدعم السريع، الطرفان المتناحران في الصراع، لا يوجد مكان يمكن ضمان حماية الناس فيه".