حسام عيتاني


قال ممثل غرفة تجارة مدينة تورينو الايطالية ان مؤسسته شاركت في رعاية ندوة عن الربيع العربي لسبب بسيط، فقد تضرر حجم المبادلات بين شمال إيطاليا والبلدان العربية منذ بداية الثورات العربية وتأمل غرفة التجارة من الندوة المذكورة مساعدتها على فهم ظاهرة laquo;الربيع العربيraquo; علّ ذلك يساعد في رفع حجم المبادلات.

تبدو المقاربة هذه شديدة البراغماتية، فرغم إشادة الرجل بالقيم التي نزل الشباب العرب في سبيلها الى الشوارع، كالحرية ورفع الظلم والاستبداد والتصدي لتجويف المجتمع عبر القضاء على كل قدرة على الاعتراض والتغيير، تقع كل القيم هذه في عين رجل الاعمال الإيطالي في مرتبة وراء الاهتمام الأول وهو تحسين مستوى التبادل التجاري، أي العبارة الملطفة الدالة على الاستيراد العربي للسلع الإيطالية.

من حق رجال الأعمال في شمال إيطاليا الصناعي القلق من تداعيات الربيع العربي على تجارتهم، لكن اللافت للاهتمام هو مقاربتهم للظاهرة بدعوتهم مجموعة من الناشطين والأكاديميين والكتاب العرب والأوروبيين لنقاش معنى الثورات العربية والمسارات التي ستمضي فيها.

يفتح ذلك باب التأمل في دور النخب العربية، من رجال أعمال وبرجوازيات وطنية (بغض النظر عن دقة التعريف الأكاديمي لهذه الكلمة وانطباقها على الطبقات الأغنى في المجتمعات العربية)، في الحيز السياسي ودور العالمين الأكاديمي والثقافي في توفير الرؤى البعيدة والاستشراف المستقبلي لظواهر الحاضر.

ورغم وجود العديد من مبادرات تشجيع النتاج الثقافي والعلمي في العالم العربي، من الدول والمؤسسات الخاصة والأفراد، تتخذ عادة شكل جوائز، إلا أن ذلك يبقى بعيداً من استخدام المعرفة كعنصر مقرر في العمل السياسي والاقتصادي، إلى جانب المعطيات الأخرى وخصوصاً تلك المبنية على اعتبارات مزاجية وشخصية في صناعة القرار في العالم العربي.

ويعلم كل المثقفين العرب الصعوبات الهائلة التي تواجه كل من يسعى الى النشر او إلى إصدار صحيفة أو مجلة. وليس عسر الحصول على التمويل اللازم للاصدارات الجديدة الورقية والالكترونية والنشاطات الثقافية عامةً، غير الوجه الآخر للاغتراب بين الفئات المختلفة المؤثرة في الحياة العامة. وفي معزل عن بعض المتمولين ذوي الاهتمامات الثقافية الشخصية، لا يبدو ما يقدمه نظراء رجل الاعمال الايطالي في بلادنا غير صدقات، أكثرها لا ينطوي على اهتمام أصيل بتحفيز النشاط الفكري والنظري والثقافي. بل هو عمل يجاري التبرع لدور الايتام والعجزة.

تكمن هنا واحدة من مآسي المجتمعات العربية. فهي عاجزة، أولاً، عن laquo;معرفةraquo; ذاتها وإدراك مصالحها وحاجاتها إدراكاً موضوعياً، لا يقيم وزناً كبيراً لمحددات السلطات المهيمنة على مجالي السياسة والاقتصاد. ما يعني ان المحظورات المقيدة للعقل وحركته وبالتالي لحريته، ما زالت في بلادنا العربية تفرض منطقها وقوانينها. والأسوأ ان المحظورات هذه تحاول امتطاء الثورات العربية للعودة عبر الديموقراطية المحدودة التي انتزعها شعبا تونس ومصر - على سبيل المثال - إلى بسط سيطرتها وجداول اعمالها عبر قوى التطرف الديني المتمددة على المشهد السياسي.

ونعثر على نماذج رجال اعمال في البلاد العربية شاركوا او مولوا او سعوا الى استغلال الثورات بطريقة أو أخرى، بيد أن ذلك يظل دون الوعي بالعلاقة بين المعرفة والسلطة وتداخلهما. والفرق بين ما تقوم به تلك القلة من المتمولين العرب وبين ما عبر عنه رجل الأعمال الإيطالي في تورينو هو كالفارق بين الصناعة اليدوية والحرفية وبين الصناعة الآلية المؤتمتة.