أيمـن الـحـمـاد


لا أحد أكبر من تركيا هكذا يقول الأتراك الذين رفضوا سيطرة حزب العدالة والتنمية على البرلمان، وبالتالي مشروع إردوغان لتغيير النظام السياسي في البلاد من برلماني إلى رئاسي ذهب مع الريح إن لم تحدث مفاجآت، وبالنتيجة الحالية التي أعلنت عن فوز منقوص للعدالة والتنمية يكون الحزب الذي شكل نقطة تحول وطُرح في فترة من الفترات كنموذج ناجح وتجربة ملهمة في الشرق الأوسط أمام استحقاقات داخلية على مستوى الحزب نفسه والجماهير التركية.

إذن العدالة والتنمية أمام امتحان صعب قد يغير من شكله، وسيلقي بظلاله بلا شك على المشروعات الاقليمية التي طرحت من قِبله كمسؤول عن السياسة الخارجية للبلاد خلال الفترة الماضية لاسيما علاقات تركيا بالخليج ومصر، والأزمة السورية وصولاً للعلاقات مع المحيط الأوروبي، فالحزب قد ينشغل خلال الفترة القادمة كثيراً بإصلاح وإعادة ترتيب أوراقه أو هيكلته، ما قد ينشأ من خلاله ظهور قيادات سياسية جديدة، من أجل تفادي انحدار أو سقوط الحزب الذي استطاع تغيير وجه تركيا من دولة علمانية يقودها الجيش إلى دولة يسيّرها الحزب الحاكم بمباركة الناخبين.

إن التأثيرات الإقليمية التي قد تنشأ جراء عدم تحقيق حزب "العدالة والتنمية" لأغلبية مطلقة في البرلمان التركي قد لا تكون مؤثرة بشكل كبير إلا على أجندة الحزب نفسه الذي كان يأمل في تعميق تواجده داخل الدولة التركية، بمعنى السيطرة الكاملة على مفاصلها بالتوازي مع تحقيق الطموحات الخارجية، واليوم وبالنظر إلى المعطيات الحالية فإن النتائج الأخيرة لا تسمح للحزب بأن ينفذ أجندته الداخلية فما بالنا بالأولويات الإقليمية.

الدولة التركية ليست حزب العدالة والتنمية فقط، فالتجربة التي أفرزتها الانتخابات توضح إلى أي مدى يبقى الناخب التركي مؤثراً وحساساً ونابهاً، وبالتالي فإن التجربة الديمقراطية هناك تخبرنا، بأنه لا يمكن الارتهان إلى أي فصيل سياسي واحد، وأنه لابد من إبقاء مستوى العلاقات مع كل الأطراف بنفس الدرجة.

وتبقى الرهانات مفتوحة داخل تركيا نتيجة لما أفرزته لنا الانتخابات البرلمانية، كما أن التحولات والمفاجآت ستكونان عنوان المرحلة المقبلة في الساحة السياسية التركية، ولن يكون الاستئثار سمة لأحد كما كان خلال الفترة الماضية، ما يشي إلى أننا بصدد عراك سياسي مرهق يشبه المصارعة التركية أو (ياغلي جورش).
&