وحيد عبد المجيد


خطر تنظيم «داعش» لم ينته برغم هزيمته في العراق وسوريا، وتحرير الأراضي التي احتلها عام 2014، باستثناء مساحات محدودة للغاية معظمها في البادية الممتدة على الحدود بين البلدين. الهجمات الإرهابية المتزامنة التي شنها في محافظة السويداء 25 يوليو الماضي، وراح ضحيتها نحو 300 سوري، ليست دليلاً وحيداً على ذلك. مازال فلول «داعش» قادرين على شن هجمات متفاوتة انطلاقاً من المناطق التي لجؤوا إليها في هذه البادية، وأقاموا بها قواعد يختبئ فيها مقاتلوه الباقون. وهم ينتقلون على جانبي الحدود. وعندما تُشن ضربات ضدهم في الأراضي العراقية يتجهون إلى الجانب السوري، والعكس.
يحاول هؤلاء إعادة إنتاج التنظيم في صيغة جديدة بعد إسقاط وهم ما أُطلق عليه «الدولة الإسلامية». والاعتقاد السائد حتى الآن أنهم ما زالوا تحت قيادة أبو بكر البغدادي، الذي بات مرجحاً أنه ليس على قيد الحياة فقط، بل يسعى إلى إعادة صوغ تكتيكات التنظيم الإرهابي. ويبدو هذا الاعتقاد صحيحاً، لأن الأنباء التي نُشرت أو بُثت عن مقتله في فترات سابقة لم يثبت أي منها. وربما تكون الرواية الصحيحة الوحيدة هي إصابته في غارة استهدفت أحد مخابئ التنظيم الإرهابي في نهاية العام الماضي. كما لم يثبت أن هناك أي أساس لأنباء نُشرت في وسائل إعلام روسية في منتصف أبريل الماضي عن انتقاله إلى أفغانستان أو باكستان، بعد أن تمكن التنظيم من السيطرة على بعض المناطق فيهما، وإقامة قواعد بها، خلال الفترة الأخيرة.


ولذلك ستبقى الهزيمة التي لقيها تنظيم «داعش» في سوريا والعراق ناقصة مادام زعيمه حياً وقادراً على قيادته. وجود أبو بكر البغدادي يساهم في جمع أعضاء التنظيم وكوادره الذين فروا، ويُمكنهم من إعادة تنظيم صفوفهم، ويُلهم آخرين في العالم لتنفيذ عمليات إرهابية فردية صارت مصدر قلق متزايد في أوروبا بصفة خاصة.
ولذلك يظل السؤال عن المكان الذي يختبئ فيه مطروحاً، ومثيراً للاهتمام. وبعد أن تعددت الإجابات عنه، يبدو احتمال اختبائه في مكان ما في البادية الممتدة عبر الحدود السورية-العراقية هو الأرجح، برغم أن صوته لم يُسمع منذ ما يقرب من عام، وتحديداً منذ آخر تسجيل له في 28 سبتمبر 2017 قبل أسبوعين تقريباً من سقوط مدينة الرقة. وربما يكون البغدادي قد انتقل من موقع إلى آخر في الأسابيع التالية لتحرير الرقة، إلى أن استقر في المكان الذي يختبئ فيه الآن في الجانب العراقي من البادية.


ولعل ما يُرجح هذا الاحتمال تصاعد عمليات التنظيم الإرهابي خلال الأسابيع الأخيرة في بلدات ومدن عراقية وسورية تُعد هي الأقرب إلى البادية. تتركز هذه العمليات في مناطق بين الموصل وكركوك وديالى والأنبار في العراق، على نحو أثار قلقاً في بعض الأوساط، ودفع شيوخ قبيلة شمر، وهي أكبر القبائل التي تقطن في هذه المناطق، إلى المطالبة بدعم القوات الحكومية فيها، أو تشكيل لواء من أبنائها لمواجهة خطر «داعش».
كما تتركز عمليات هذا التنظيم، على الجانب السوري، في مدن وبلدات متاخمة للبادية، مثل مدينتي الميادين، والبوكمال، وبعض بلدات أخرى في محافظة دير الزور في المناطق التي تسيطر عليها القوات النظامية، وامتدت إلى السويداء للمرة الأولى قبل أسبوعين. وتدل هذه العمليات الإرهابية على أن التنظيم أقام قواعد وتحصينات في مناطق صحراوية وعرة يعرف مقاتلوه جغرافيتها، ولديهم خبرة في التحرك فيها أكثر من غيرهم. وهم يستفيدون في تحركاتهم من الامتداد الواسع لهذه المناطق في مساحة شاسعة على الجانبين السوري والعراقي من الحدود. ولذلك، ربما لا يجد البغدادي مكاناً يختبئ فيه أكثر أمناً من هذه المناطق، ليس فقط بسبب طبيعتها الجغرافية الوعرة، وامتدادها الواسع الذي يجعل البحث عنه فيها بالغ الصعوبة، ولكن أيضاً لوجود مؤشرات تدل على أن لدى «داعش» بضع حواضن في أوساط عدد من القبائل التي تعيش فيها. وربما يكون احتمال اختبائه في مكان ما في البادية العراقية أقوى منه في البادية السورية لهذا السبب. البغدادي عراقي أصلاً، وله أقارب وأصهار يساعدون في تأمين الحماية اللازمة له، وخاصة إذا تأكد أنه أُصيب بالفعل في إحدى الغارات الجوية التي شنها طيران التحالف. غير أنه في كل الأحوال، لن تكتمل هزيمة «داعش» من دون العثور على البغدادي حياً أو ميتاً.
*مدير مركز الأهرام للدراسات والبحوث الاستراتيجية.