مشاري الذايدي

شاهدت هذه الأيام مقطع فيديو قديم لقائد قوات القدس الإيرانية، قاسم سليماني، يتحدث بطريقة «فارسية» قومية، لا بطريقة دينية شيعية كربلائية، وكأنه من منظّري الشاه بهلوي، أو كأنه من تلاميذ مفكر القومية الفارسية أحمد كسروي!


قاسم سليماني قيلت فيه أناشيد وقصائد كثيرة من قبل أنصار النظام الخميني، وتم تقديمه بوصفه بطلاً «فارسياً» هماماً، مثل رستم و... أبي مسلم الخراساني!
مثلاً هذه الأيام، ينشط سليماني في جمع القوى الشيعية العراقية الموالية لإيران، ومنع حصول أي تباعد بين حكام بغداد ومرجعية طهران، رغم صخب مقتدى الصدر وشعبه.
لم تكتفِ إيران بإرسال قائد فيلق القدس (قاسم سليماني) للتدخل بشأن مفاوضات تشكيل الحكومة الذي يوجد في النجف منذ عدة أيام وحسب، بل زجّت بمحمد الكوثراني، مسؤول الملف العراقي في «حزب الله» اللبناني، للتوسط بلمّ شمل الفرقاء السياسيين من الشيعة الموالين لإيران، حسب تقرير لجريدة «الشرق الأوسط».


على ذكر القوى الشيعية العراقية الموالية لإيران، يبرز اسم ميليشيات الخراساني، التي تعتبر من أخطر ميليشيات الحشد، شكلاً ومضموناً، فهي جزء جوهري عضوي، معلن، للحرس الثوري، يديره قاسم سليماني شخصياً، حسب تقرير وكالة «تسنيم نيوز»، التابعة للحرس الثوري.
وبحسب تقرير نشر بجريدة «القدس العربي»، يعتقد بعض المحللين في إيران أن اختيار هذه التسمية لسرايا الخراساني يعني أن الميليشيات ستلعب دور «أبو مسلم الخراساني» الذي أسقط خلافة الأمويين، وأخذ ثأر الفرس.


هذا المزج بين الشعار الديني الإسلامي وعقلية الثأر الفارسية «الجاهلية»، حسب قاموس الإسلاميين نفسهم، ومنهم الخميني، هو الذي يثير أوجه المقارنة بين أبي مسلم الخراساني قديماً وقاسم سليماني حديثاً!
قال المؤرخ المصري محمد الخضري بك، في تاريخه عن الأمويين والعباسيين، شارحاً سبب فتك المؤسس الفعلي للدولة العباسية، الخليفة المنصور، بأبي مسلم الخراساني: «هو أن يستقل أبو مسلم بأمر خراسان، ويخلع المنصور، ثم يختار للخلافة رجلاً آخر يكون تحت تصرفه وسلطانه، فيعود الأمر لأهل فارس». (ص 431).
نحن لا نستدعي شخصية تاريخية «محنّطة»، بل شخصية فاعلة في الوجدان السياسي الإيراني، أو عند نخبة منه، وبرهان ذاك أن سيرة أبي مسلم كانت بمقرر التاريخ بالإعدادية، وهناك فريق كرة قدم من الفرق الأولى بمشهد، هو نادي أبو مسلم الخراساني، إلى وقت قريب بهذا الاسم.


الفرق حتى الآن هو النهاية العنيفة لأبي مسلم على يد المنصور، وتحطم أحلامه الهجينة بين الدين والقومية... فهل تكتمل دائرة الشبه بين قاسم الخراساني، أو السليماني، مع سلفه أبي مسلم؟
نحن ما زلنا نفترش بسط التاريخ.