بين 15 آذار (مارس) الجاري و23 منه، انخفض مستوى "المناوشات" بين الجيش الإسرائيلي، من جهة، و"المقاومة الإسلامية في لبنان" من جهة أخرى، ولكن سرعان ما تدحرج الوضع، مع إرسال "الجناح العسكري" لـ"حزب الله" مسيّرتين انقضاضيّتين على موقع "كفار بلوم" للدفاع الجوي في شمال إسرائيل!

و23 منه

ولكن ماذا حصل حتى عاد الوضع إلى مستوياته الخطرة، بعدما كان قد انخفض ليصل إلى حد التزام الطرفين بما يسمّيه "حزب الله" بـ"قواعد الاشتباك"؟

في الخامس عشر من آذار، سلّم وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب السفير الفرنسي في لبنان هيرفي ماغرو الجواب اللبناني على "الورقة الفرنسية" الهادفة إلى احتواء التصعيد على الجبهة الجنوبية. نسخة من هذا الجواب وصلت، عبر دبلوماسيين في السفارتين الأميركية في عوكر وباريس، إلى الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين.

كان تسليم لبنان لتعليقه على "الورقة الفرنسية" التي تتضمن الطرح الأميركي، بمثابة رسالة من "حزب الله" بأنّه "أجاز" للحكومة اللبنانية فتح "أبواب الحل الدبلوماسي".

وتأكيداً على ذلك خفّضت "المقاومة الإسلاميّة في لبنان" وتيرة قصفها لشمال إسرائيل. الحكومة الإسرائيلية تلقفت الرسالة، وتفاعلت إيجاباً مع هذا الحدث الذي تزامن مع "أجواء تفاؤلية" بخصوص مجريات المفاوضات الهادفة إلى توقيع "اتفاق هدنة" في قطاع غزة.

وكان لافتاً أنّ "المناوشات" التي استمرت بين 15 آذار و23 منه

و23 منه

خلت من الضحايا، فـ"المقاومة الإسلامية في لبنان" كانت تستهدف "المساحات المفتوحة" فيما الجيش الإسرائيلي كان يقصف النقاط "الخالية من البشر"!

ولكنّ الاتصالات التي تمّت بين الفرنسيين والأميركيين من جهة، والإسرائيليين من جهة أخرى، أظهرت أنّ الجواب اللبناني على "الورقة الفرنسية" لا يتقاطع مع التطلّعات الإسرائيلية، إذ إنّه، في ظل انسداد الأفق أمام وضع مزارع شبعا تحت السيادة اللبنانية، ستعود الأوضاع على الحدود اللبنانيّة - الإسرائيلية إلى ما كانت عليه في السادس من تشرين الأول (أكتوبر)، الأمر الذي ترفضه الحكومة الإسرائيلية رفضاً قاطعاً.

ووصل الجواب الإسرائيلي المدعوم على ما يبدو من باريس وواشنطن إلى لبنان، عبر القنوات السريّة المعتمدة، مترافقاً مع ضغوط من أجل إبقاء "حزب الله" لمقاتليه بعيداً من الحدود، بعد توقف "المناوشات"، والموافقة على تفعيل دور الجيش اللبناني واليونيفيل، بالتزامن مع فتح مفاوضات من أجل إزالة الخروق الإسرائيلية للخط الأزرق، على أن يكون موضوع مزارع شبعا منفصلاً نهائيّاً عن وجوب التطبيق الكامل للقرار 1701.

وقد عزّز "شرعية" هذا الموقف تقرير الأمانة العامة للأمم المتحدة الخاص بالقرار 1701، إذ أكد مجدداً أنّ موضوع مزارع شبعا ليس مسألة عالقة بين لبنان وإسرائيل، بل بين لبنان وسوريا من جهة، وسوريا وإسرائيل من جهة أخرى، ناسباً النسبة الأبرز من الأفعال المناهضة للالتزامات بالقرار 1701 إلى لبنان، بسبب "حزب الله" الذي ينشط عسكريّاً ويقيم مراكز تدريب في المناطق المحظورة عليه!

رفض "حزب الله" هذا الطرح الإسرائيلي - الفرنسي - الأميركي، ومن أجل إفهام الجميع جديّته في ذلك، أرسل مسيّرتين انقضاضيّتين نحو قاعدة الدفاع الجوي في "كفار بلوم"، إدراكاً منه أنّه بذلك يخرق واحداً من أبرز الخطوط الإسرائيلية الحمراء!

تاريخ تقديم لبنان جوابه على الورقة الفرنسيّة، أي الخامس عشر من آذار الجاري، أعطى إشارة إلى أنّ "حزب الله" خائف من الحرب، إذ إنّ هذا التاريخ كان، وفق ما أبلغته مصادر دبلوماسيّة أوروبية لمقربين من هذا الحزب، الموعد الذي حددته الحكومة الإسرائيلية لتوسيع الحرب على لبنان.

"حزب الله"، إزاء رفض ما ورد في الجواب اللبناني على "الورقة الفرنسية"، شاء أن يؤكد أنّه ليس خائفاً من الحرب، بل هو مستعد لها!

وقد تزامن ذلك كله مع قرار اتخذته "جبهة المقاومة" بتصعيد المواجهة في النصف الثاني من شهر رمضان، إذا لم تتوصل المحادثات التي تجري في الدوحة إلى نتيجة، الأمر الذي تُرجم، بغض النظر عن النتائج الميدانية، بتوجيه صواريخ "المقاومة الإسلامية في العراق" إلى إسرائيل، وتفعيل ما أمكن من "خلايا نائمة" في الضفة الغربية، ومواصلة محاولة إقفال البحر الأحمر أمام عبور السفن من خلال "حوثيي اليمن" وعودة لافتة لـ"حماس" و"الجهاد الإسلامي" إلى مستشفى "الشفاء" ومحيطه في شمال قطاع غزة.

وتحاول "جبهة المقاومة" في ما تفعله أن تستفيد من الأجواء التي توفّرها الضغوط الدولية، تتقدمها تلك التي يمارسها البيت الأبيض على إسرائيل.

وهذا يعني أنّ الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية، سوف تشهد في الأيّام المقبلة مرحلة جديدة من التصعيد، على قاعدة أن تبقى، أقلّه حتى نهاية عيد الفطر السعيد، تحت سقف الحرب الواسعة!