يبدو الخبر الذي جرى نشره هذا الأسبوع في مختلف وسائل الإعلام الجزائرية عن تعيين وزير التربية الوطنية عبد الحكيم بالعابد، مختاري زواوي مديراً عاماً جديداً على رأس ديوان المطبوعات المدرسية، أمراً عادياً عابراً، غير أنّ خبراء التربية والتعليم يرون أنّ هذه المؤسسة التعليمية ذات الأهمية البالغة ما فتئت تتعرّض لسيل من المشكلات التي تعرقل دورها المحوري في صنع وتقرير مصير مستقبل المجتمع الجزائري، أمنياً وثقافياً وتربوياً واقتصادياً ومهنياً.

في هذا السياق، يرى الخبراء الجزائريون المتخصصون في بيداغوجيات التربية والتعليم، أنّ حصيلة التعليم الجزائري منذ الاستقلال حتى اليوم تتمثل غالباً في غلبة الكم على الكيف، وبخاصة في ضعف منظومة التعليم الابتدائي والإكمالي والثانوي، الأمر الذي ما فتئ يؤثر عميقاً وسلبياً على مستوى منظومتي التعليمين المهني والجامعي بشكل يبعث على القلق وينذر بكثير من الأخطار، بينها خطر الفشل المحدق بالمجتمع الجزائري، الذي عجز حتى الآن في تحقيق حدّ أدنى من الحداثة الاجتماعية والعلمية والمعرفية والجمالية.

من المعروف أنّ مؤسسة المطبوعات المدرسية هي التي تقوم رسمياً، وبالتنسيق مع اللجنة التابعة لوزارة التربية الوطنية المكلفة انتقاء النصوص والكتب المقررة، بالإشراف على طباعة مختلف النصوص التي تتضمنها الكتب المدرسية المقررة من الدولة، وما يؤسف له أنّ المواطنين الجزائريين لا يعرفون شيئاً عن بنية هذه المؤسسة من حيث موازنتها وإطاراتها وأساليب عملها، والقوانين التي تضبط عملها وعلاقتها بالمديريات المركزية التابعة لمختلف الوزارات الجزائرية.

وزيادة على ذلك، فإنّ هذه المؤسسة شبه الشبحية، ما فتئت تعيد إنتاج سلبيات مؤسسة ديوان المطبوعات الجامعية الفاشلة التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والتي لم تقدر منذ تأسيسها على تنفيذ مشروع وطني حداثي في مجالات تأليف أو ترجمة الكتب الفكرية والعلمية والأدبية والمهنية المتطورة، والتي من المفترض أن تكون مقرّرة رسمياً على مستوى الجامعات الجزائرية. وبسبب ذلك، فإنّ طلاب وأساتذة التعليم العالي الجزائري يشكون باستمرار من تصحّر البيئة الثقافية الجامعية بشكل حاد جداً.

والأدهى هو أنّ اختيار وزراء التربية الوطنية للمسؤولين التنفيذيين لتولّي مسؤولية ديوان المطبوعات المدرسية الجزائرية، لا يخضع للمعايير البيداغوجية المتعارف عليها دولياً، وإنما للعلاقات الشخصية وللولاءات والتدخّلات التي تأتي من فوق.

وفي الحقيقة، فإنّ المدير العام السابق لديوان المطبوعات المدرسية، وهو محمود يخلف، لم يكن قطباً متخصصاً في مشهد التعليم الجزائري، حيث لم يكن معروفاً بأدائه البيداغوجي المتميز. وفضلاً عن ذلك، فهو لا يصنّف بأي مقياس ضمن الفئة الجزائرية المثقفة المعروفة بإنتاجها التربوي وببيداغوجيات الاشراف العلمي على التأليف المدرسي الأكثر حداثة.

أما المدير الجديد، الذي هو مختار زواوي، والذي شغل سابقاً منصب مدير التربية لولاية (محافظة) توقرت بالجنوب الصحراوي الجزائري، فهو غير معروف أيضاً على مستوى الهيئة البيداغوجية عبر البلاد، وليس له أي إسهام ملموس في ميادين قيادة مشاريع التأليف المدرسي المتطور أو إدارة عمليات الاشراف على وضع البرامج والمناهج التربوية بشكل ناجح.

وهنا نتساءل: لماذا بقيت مؤسستا، ديوان المطبوعات المدرسية، وديوان المطبوعات الجامعية متخلفتين كثيراً عن الركب طوال كل هذه السنوات؟ ثم ما هي الحلول الناجعة التي بمقتضاها يمكن نفخ الحياة فيهما؟

ينبغي أولاً تقديم صورة مصغرة عن طريقة عمل الديوانين لكي يمكن تفادي الأخطاء المتكررة التي وقعا فيها على مدى سنوات. فالمعروف أنّ ديوان المطبوعات المدرسية يعمل بالتنسيق مع اللجنة المنصّبة على مستوى وزارة التربية والتعليم، والمؤلفة عادة من مديري الوزارة المركزيين والمفتشين العامين وبعض الأشخاص المحسوبين على التأليف المدرسي.

وما يؤسف له أنّ هذه اللجنة التابعة لوزارة التربية الوطنية تخلو تماماً من كبار نقاد الثقافة وصنَّاع الفكر ومن العلماء والخبراء في مختلف التخصصات التعليمية وفي علم النفس التربوي، كما أنّها لا تنسق مع اللجان المتخصصة التابعة للوزارات المسؤولة عن التنمية الوطنية، وذلك للعمل معاً بهدف ضمان تكامل انسجام النصوص ومختلف مضامين الكتب والمناهج التعليمية المقررة مع مشاريع التنمية الوطنية، وكذا مع الركائز التي تتأسس عليها الشخصية التاريخية الوطنية.

والغريب في الأمر، هو أنّ المقررات المدرسية التي تُفرض على التلامذة في مرحلة التعليم الابتدائي والإكمالي والثانوي الجزائري، لا تعكس تطورات مضامين وتقنيات التقدّم الفكري والتكنولوجي والعلمي الذي يكتسح عالمنا المعاصر.

وفضلاً عن ذلك، فإنّ هذه المقررات تغلب عليها النزعات التقليدية المحلية ذات الطابع الفولكلوري، والتي ما فتئت تؤثر سلباً في تكوين أجيال تكرَّس في حياتها اليومية النكوص إلى كل ما لا علاقة له بالحداثة والعصرنة ثقافياً وفكرياً وعلمياً وأداءً جمالياً.

في هذا السياق، أشار أحد العارفين بخبايا سلوك هذه اللجنة الوزارية المكلفة اختيار المقررات المدرسية، سواءً كانت نصوصاً أدبية أو دينية أو ثقافية عامة أو علمية... إلى ظاهرة غريبة جداً تحدث باستمرار داخل دواليبها وتتمثل، مثلاً، في اتصال أعضاء هذه اللجنة ببعض الكتّاب والشعراء التقليديين لكتابة نصوص أثبتت التجربة أنّ أغلبها مجرد كلام ونظم فاشلة، وما يؤسف له أنّ هذه النصوص ما فتئت تثبت في الكتب المدرسية وتُفرض على المعلمين والتلامذة.

ويلاحظ أنّ الشيء نفسه يحدث أيضاً على صعيد ديوان المطبوعات الجامعية. وبذلك فقد تحولت المنظومة التعليمية الجزائرية إلى "عشيرة" مغلقة تتصرف بحسب مشيئتها في مستقبل الأجيال الجزائرية.