لبعض الناس أحلام بسيطة لا تتعدَّى الحصول على وظيفة متواضعة تكفيهم قوت يومهم وتعينهم على قضاء حوائجهم الأساسية. وعلى النقيض منهم أناس راضون بحالهم لكنه يطمحون للمزيد باستمرار، في حين أن فئة ثالثة لا يقنعون بأي حال هم فيه، فيتحركون بدافع من طموحاتهم المتجددة بقصد تحقيق المزيد وعيش حياة رغدة يتحقق فيها كل ما يتمنَّونه.

كان أجدادنا يحرمون أنفسهم كثيراً من ملذات الحياة في سبيل الاحتفاظ ببعض المال الذي يخبئونه لوقت الأزمات، في حين أن الأجيال اللاحقة افتقدت بشكل كبير هذا المفهوم وتلك النظرة بعيدة المدى، فترى الواحد لسان حاله يقول: «أنفق ما في الجيب يأتك ما في الغيب»، إلى أن يقع في ضائقة مالية فيندم على كل المال الذي نثره هنا وهناك بدلاً من الاحتفاظ بجزء منه لمثل هذه المواقف الطارئة.

إن جميع فئات الناس سواء الراضي بحاله أو الذي يطمح للأفضل أو حتى الذي لا يرضى بحال ويسعى دوماً لتحقيق المزيد، كلهم بحاجة إلى الاستعداد الذكي للمستقبل المجهول، فلا تدري ما تخبئ لك الأيام وتخفيه، لذلك عليك باستمرار توفير جزء من مالك مهما كان راتبك بسيطاً أو عملك الحرُّ لا يدرُّ عليك ما يكفي من سيولة مادية.

لو عدنا بالذاكرة إلى الحضارات القديمة، إلى بابل بالتحديد، التي كانت المهد الذي انبثقت منه المبادئ الأساسية لكسب المال، والتي أصبحت في ما بعد قوانين مسلمَّاً بها في جميع أصقاع العام، سنتعلم أن أول قانون جعل أهل ذلك البلد من أكثر الشعوب نجاحاً وثراء في التاريخ هو: «يأتي المال بسهولة وبكميات متزايدة لأي إنسان يقوم بادخار ما لا يقل عن عُشر إيراداته كي ينشئ ممتلكات من أجل مستقبله ومستقبل عائلته».

يشير هذا القانون إلى ضرورة ادخار أي شخص لعُشر إيراداته الشهرية بطريقة منتظمة، واستثمار تلك المدخرات في أعمال وممتلكات تدرُّ عليه مزيداً من المال، مما يوفر له حياة أكثر رغداً وسعادة له ولعائلته في المستقبل.

لذلك فقبل أن تطوّر مهاراتك وخبراتك أو تبحث عن وظيفة براتب أفضل في حال لم تكن راضياً عن وظيفتك الحالية، لا تنسَ أن ما هو أهم من تطوير المهارات والخبرات والحصول على وظيفة بأجر أعلى هو القدرة على ضبط النفس وتوفير المال بصورة منتظمة، فلا قيمة لمال يبدّده صاحبه مهما كَثُر. وتلك واحدة من أهم أسرار الأثرياء الذين يعرفون كيف يحتفظون بجزء من أموالهم، ثم يستثمرون قدراً من ذلك الجزء اليسير الذي احتفظوا به في زيادة دخلهم.