بُعيد فجر 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حين بدأت الصورُ والأخبارُ تتفشَّى عن هجوم قوات من «حماس» وغيرها على بلدات غلاف غزة التابعة لإسرائيل، والجدل الذي ثار وما زال عن طبيعة الأعمال التي قام بها عناصر «حماس» وغيرها، خرج بيان لمحمد الضيف، وهو قائد قوات «حماس» (كتائب القسّام)، جاء فيه، والأحداث ما زالت ساخنة قيد الجريان:

«اليوم هو يوم المعركة الكبرى لإنهاء الاحتلال الأخير على سطح الأرض».

بعدها بفترة من الوقت، بعد بداية الردّ الإسرائيلي المدمّر والأعمى، خرج رئيس مكتب «حماس» السياسي (أبو العبد) إسماعيل هنية، الخطيب الماهر، وقال: «إنَّ المقاومة بدأت كتابة التاريخ بعملية (طوفان الأقصى) التي شكّلت بداية زوال الاحتلال عن أرضنا وقدسنا».

فضلاً عن بيانات وخطب ومقابلات أخرى من قيادات «حماس»، وبعض الخطباء العرب وفضائيات وشبكات ونواب وكتاب، تصبُّ في هذا المجرى، مجرى «الملحمة الكبرى» وبداية أم المعارك ونهاية «الكيان الصهيوني» الغاصب، للأبد، وترحيل الآتين من بولندا وبلغاريا وألمانيا وبقية يهود الخزر إلى بلدانهم التي أتوا منها، وتحرير كامل فلسطين، كلها، من النهر للبحر، وأول ذلك القدس، كل القدس.

ليس هذا وحسب، بل إطلاق موجة تحرير وكفاح كبرى لدى الشعوب العربية، لمساندة مشروع «حماس» الذي هو مشروع كل الأمة، معركة حطّين جديدة وعين جالوت أخرى، وبداية كتابة تاريخ صلاح الدين وعمر بن الخطاب من جديد. كانت هذه هي اللغة السائدة أثناء وبُعيد عملية «طوفان الأقصى» فجر 7 أكتوبر الماضي.

اليوم، يقول خليل الحيّة، عضو المكتب السياسي لـ«حماس» ومسؤول التفاوض عن ملف الأسرى والرهائن، في تصريحات لـ«العربية» و«الحدث»، إنه إذا قامت دولة فلسطينية على حدود 67 وعاد الأسرى، فإنَّ «حماس» تقبل ذلك، بل ستتخلَّى عن أسلحتها.

أين تحرير الأقصى، والقدس، كل القدس، وليس القدس الشرقية فقط، وتحرير فلسطين، كل فلسطين، بما فيها تل أبيب وحيفا ويافا، وليس أرض 67 فقط من الخريطة؟!

حركة فتح في بيانها لم تغفل هذا فردّت على تصريحات خليل الحية أنَّ «حماس» مستعدة للموافقة على هدنة لمدة 5 سنوات أو أكثر مع إسرائيل، والتخلي عن أسلحتها والتحول إلى حزب سياسي إذا أقيمت دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، مذكّرة أنَّ هذه لم تكن أهداف عملية فجر 7 أكتوبر!

نعم، كما قيل مراراً، الشعب الفلسطيني غير «حماس»، حتى غير بعض ساسة «فتح»، وقضيته عادلة، لا ريب في ذلك، ولكن ما هو السقف العملي، وليس قصائد الشعر، التي عندها يُقال إننا وصلنا؟

أليس هو حلّ الدولتين، وفق القرارات الدولية، التي هي أصلاً مشمولة بالمبادرة العربية للسلام، بقمّة بيروت، والتي صارت من مرجعيات منظمة التحرير الفلسطينية، والتي أقرّت «حماس» - لا ندري تكتيكاً أم استراتيجية - بجوهرها من خلال تصريحات «الأخ» الحيّة، وغيرها من قبل عند لحظات الحاجة السياسية والأمنية؟

لذلك، كانَ حديث «اللجنة العربية الإسلامية» التي اجتمعت مؤخراً، وهي مكونة بقرار من «القمة العربية الإسلامية»، قد أشارت لذلك في اجتماع اللجنة الأخير، أنَّه لا حلّ إلا حلّ الدولتين.

يُقال هذا لنتنياهو وفريقه اليميني المتعصب، طبعاً مثلما يُقال لجماعة السنوار ومشعل والضيف وهنية والحيّة... ولذلك حديثٌ خاص آتٍ.

ما عدا ذلك هو احتلاب للقضية ودماء أهلها على محلب السياسة والأطماع الخفية، لإيران وروسيا خارجياً، ولقوى أخرى داخلياً.

بعد كل هذه الدماء وكل هذا الخراب، عُدنا لنقطة البداية... حلّ الدولتين.