لا يثقل القلب مثل مرور تلك السحابة الرمادية المحملة بالحزن في سماء وطننا، تاركة شيئاً منها في دور الأهل هنا أو هناك، تأتي لتقتنص الفرحة والضحكة وأشياء من الطيبة تسكن فينا، ونحبها، هي بمرورها مثل جرح صعب أن يندمل أو مثل دمعة متحجرة في مُقل العيون، ورغم أن للحياة سُننها، وأن الموت حق، بل هو الحقيقة الوحيدة التي عرفها الإنسان منذ أن استقر على هذه البسيطة، وحاول في صراعه الأبدي كخليفة على هذه الأرض، وراعي عمارتها، ومحاولاته الكثيرة في البحث عن الخلود وعشبته أن يصنع فرقاً أو يسجل انتصاراً لقلب الأمور وتعديل معادلات الحياة، إلا أنه استسلم مع غموض الروح وأسرارها العصيّة، وفناء الجسد، وذلك الوقت المبهم الذي لم يستطع القبض عليه، لذا للموت هيبة حضوره، وإجلال طقوسه، لا نملك تجاهه إلا الدمع، وتلك الأشياء التي تضيق بالصدر، فتحبس البسمة، وتطلق الدمعة، والآه الساخنة مثل جمرة غضى.

لقد مرت على سمائنا خلال السنوات الأخيرة المنصرمة تلك السحابة الرمادية أكثر من مرة، فقدنا بمرورها الكثير من الناس الأعزاء، والأصدقاء، والمقربين والمعارف، والمبدعين والكثير من حرّاس الأوطان والمخلصين، مثلما فقدنا قادة ورؤساء وشيوخاً، وأشخاصاً في مقتبل أعمارهم، وآخرين في وهج عطائهم، مثلما فقدنا الكثيرين من الحفاظ وذاكرة الناس والمكان، فقدنا مرجعيات كبيرة وكثيرة لأشياء لم تدون بعد، ونحن من قبل ومن بعد صابرون، نحتسب الأجر، ونطلب الدعاء، وثواب الصبر، فمثل أولئك قادرون على أن يزلزلوا ثوابت الإنسان، وقادر فقدهم على أن يحطم أضلاع الصدر، فلا نقوى على العيش من جديد.

لقد استعصت تلك السحابة الرمادية التي تشبه الحزن الثقيل أن تغادر أسبوعنا دون أن تبكينا مرتين، وتنكأ جرحاً بعد جرح لم يندمل، وفاة «عقيد القوم» الشيخ طحنون بن محمد بحضوره البهي، وهيبة وجوده، وذاك السند الذي نتكئ عليه، وبالأمس غياب الشيخ هزاع بن سلطان الثاني في مقتبل عمره، وكأنه شبيه بهزاع بن سلطان الأول في عدّ السنين، ومهما كان حزن الناس تعاطفاً وهم صادقون، وحزن الأقرباء واجباً وهم صادقون، وحزن المكان المتتابع على الجد أولاً، والأب ثانياً، وثالثاً الابن، إلا أن مثل حزن تلك المرأة الكريمة الجليلة الصابرة على فقدها الكبير والأكبر، فقد الأخ الكبير قبل أسبوع، وفقد ابنها الكبير بالأمس، حزن لا يعدله حزن، ورزء مصاب لا يعدله مصاب، فاللهم ثبّت قلبها، وهدّي روعها، واجعل نفسها رضيّة، وارزقها ثواب الصابرين التوابين الصادقين الصالحين، واغشها برحمتك، ولطفك، وجزيل إحسانك، وأدخل سكينتك عليها يا رب يا رحيم.