"البيئة ترف"... كثيراً ما كنت أسمع هذه العبارة أول عهدي مع الصحافة البيئية، تلك الصحافة التي كان الناس يعدّونها للمترفين فقط،&وشاءت الظروف أن أبدأ مشواري المهني بها.

خلال ثماني سنوات من&الخبرة&مع&الصحافة&البيئية، بين&المطبوع&والمرئي والمسموع، كانت لي الفرصة أن أعمل عن كثب مع أولئك "المترفين" الذي يحبون البيئة ويدافعون عنها.&تعلمت الكثير من المختصين منهم،&وأدركت كم&الوسائل الموجودة أمام السلطة لحلّ&الكثير من المشكلات&المتأزمة،&ولكن لم يؤخذ بأي منها.&

كان يستفزني&جداً&التعاطي مع وزارة البيئة على أنها وزارة هامشية&تعطى&كجائزة ترضية&لأحد الأطراف السياسية.&والمستفز أكثر أنه في&كل الوزارات التي تعاقبت،&كان الوزير أبعد ما يكون عن فهم أي شيء يتعلق بالبيئة، علماً أنه علمٌ يحتاج إلى تخصّص أو بأقل تقدير إلى&إلمام.

ومع الوقت عاد علينا إهمال البيئة في لبنان بالتلوث والأمراض... عاد بالموت، وما&زالوا يعتبرون البيئة ترف،&مجرّر&رحلة تمويه عن النفس في الطبيعة، للمترفين!... لا ليست كذلك، البيئة هي حياتنا!

آخر الغيث في&التعاطي السياسي مع&البيئة،&قرار وزير البيئة&الحالي&بإقالة أحد الموظفين الأكفاء من منصب حقق فيه الكثير. نعم وزير البيئة الذي غرقنا بنفاياتنا في عهده أخذ قراراً، بخلفية الكيدية السياسية بإقالة موظف&شهدت شخصياً على كفاءته المهنية!&في الوقت الذي&معظم&السياسيين، كل من موقعه،&يدمّر بيئة لبنان وصحة اللبنانيين وحياتهم، هذا الموظف عمل بجهد&وساهم&بنجاحات مهمّة على صعيد المحميات والسياحة البيئية بلبنان&حتى وصلت الأخيرة إلى العالمية، وهكذا لكيدية سياسية بين طرفين&متقاتلين، يُقال من منصبه!&لم يفكّر أحد بكفاءته؟

هذا القرار أعاد إلى ذاكرتي حادثتين حصلتنا معي أثناء عملي، إحداهما مع وزير&طاقة أسبق&كان على خلاف سياسي مع المحطة التي كنت أعمل بها، والثانية مع&مقربين من التيارالسياسي&التابع للمحطة.

الحادثة&الأولى كانت في إحدى المؤتمرات الصحافية لوزير الطاقة آنذاك، وكان يتحدث&فيها عن&عنتريات "واهية" لحلّ&أزمة&الكهرباء.&وقتها،&وبعد انتهاء المؤتمر الصحفي،&اقتربت من الوزير لأساله لمّا لا يُستخدم غاز الميثان المنبعث من مطمر&الناعمة في توليد الطاقة، وهكذا&نساهم في حلّ&المشكلتين المتأزمتين، النفايات والكهرباء.. إلا أنه رفض التحدّث إلى الكاميرا،&ولنبقى على تعبير لم يكن لطيفاً في الرفض!&وقتها انزعج زميلي،&مهندس الصوت،&وقال له بصوت عال "زعجك اللوغو".. أي لوغو المحطة، فلم يعلّق... انتهت الحدوثة هنا، أما مشكلة النفايات والكهرباء&فلا تزال فصولها السوداء تتوالى!

الحادثة الثانية على المقلب السياسي الآخر. بعد شكاوى عدة من أبناء&بلدة&الناعمة والقرى المحيطة بها قررت أن&أعمل على انتاج حلقة&تلفزيونية&عن مطمر الناعمة، ولأن المسؤولين عن المطمر كانوا مقربين من المحطة التي أعمل بها سُمح لنا أن ندخل&بمعداتناوالتصوير في الموقع، علماً أن ذلك لم يكن مرحباً به لوسائل الاعلام. وقتها طلبت من خبير في الصحة والسلامة البيئية&منالجامعة الأميركية في بيروت أن يرافقنا، وبعد تصوير الموقع وما يحصل بداخله،&أجريت مقابلة مع الخبير، وحدثني عن كم الملوّثات والضرر الناتج عن المطمر... أذكر وقتها كيف دلّني إلى انبعاثات غاز الميثان&الناتجة عن تخمّر النفايات، ومع أنها يمكن أن تكون نعمة كهربائية،&ولكن في حالة المطمر كانت خطر داهم لأنها كانت تطلق في الهواء&ولم يكن&يُعرف متى يمكن أن تنفجر.

ولإعطاء الرأي والرأي الآخر، طلبت مقابلة من إحدى الدوائر الرسمية المسؤولة عن المطمر، وخلال المقابلة صرت أشرح للمهندس المسؤول عما رأيناه&وما قاله الخبير... أذكر وقتها قال لي غمزاً&"نحن على نفس الموجة" وكان يقصد أن كلانا يعمل في مؤسسة تابعة لنفس التيار السياسي، فأجبته "ذلك لا يهمني،&ما يهمني&حقاً&هو حياة الناس المهدّدة بالخطر"... ذلك كان كفيلاً بأن&تبلّغني&الإدارة، بعد اتصالات وردتها،&بوقف عرض الحلقة&قبل بضع ساعات من&موعد بثّها!

سنوات&مرّت على هاتين الحادثتين وعلى تركي العمل في الصحافة البيئية، ولكن اليوم أشعر بنفس الضيق الذي شعرت به وقتها، لم يسأل أحد&من المسؤولين&عن صحة الناس وسلامتهم،&وما&زلنا على هذا الحال بل وأكثر، أصبحنا نتخبط في واقع الكيدية السياسية!

نعم السياسيون في لبنان مصرّون على أخذنا الى الحضيض، بمحاصصاتهم وصفقاتهم المشبوهة، واذا صودف وجود موظف كفوء يُقال&من منصبه تنفيساً للكيدية السياسية... نحن كمواطنين لا يهمنا لمن ينتمي هذا أو ذلك، ما يهمنا أن يكون لدى أولئك المتحكمين&بالبلد بعض من الانتماء للوطن!