لكل منا طريقته الخاصة بالتعبير عن حبه للمكان، وعلاقته بأرضه، عن كل ما يربط بينه وبين محيطه.

&ففي فصل الشتاء لعام ٢٠١٧ وفِي أول درس لمادة استراتيجيات القيادة بجامعة ليهاي الأمريكية، بدأ المحاضر بسؤالنا وكنا قرابة الثلاثين طالبا وطالبة من مختلف الجنسيات : ما هو الهاجس لدينا بعد التخرج من مرحلتنا الحالية؟

معظمهم أجاب بالعمل لأجل تسديد قرض الرسوم الدراسية بأسرع وقت كيلا تتضخم الفوائد! حيث من الضروري الدراسة بشكل جدي والتخرج ومن ثم العودة خلال ثلاث سنوات من أول يوم دراسي!

سيدارت هو أحد زملائنا من دولة الهند، قصته عجيبة!

&أبدى سيدارت رغبة وشغفا بالعمل في أمريكا، بحكم الدخل العالي ورغبته الشديدة بسرعة دفع ما اقترضه من أموال لدراسته!

تخرج صديقي سيدارت من ستة أشهر مضت، وبدأ العمل في شركة أمريكية كما كان يحلم، وليكمل ما خطط له ويعود لأهله..لكن حدثت الفاجعة!

&ففي يوم ١٦ سبتمبر ٢٠١٨، ذهب صديقي للنزهة و الاستمتاع بأحد أشهر الأنهار بولاية إنديانا، لممارسة رياضة التجديف ( الكاياكينق ).. ذهب سيدارت ولَم يعد!!

&فمع سرعة تدفق الماء، انقلب مركبه واحتبس بداخله وفارق الحياة!!!

بعد وفاته نشرت عائلة صديقنا سيدارت رابطا إلكترونيا لجمع التبرعات المالية لتسديد قرضه الدراسي الذي لاحقه بعد وفاته!

فلا أسوأ من حلم رائع تطارده صباحا فأصبح واقعا أسوأ في المساء!! "هذا لسان عائلته"َّ!

توافق هذه القصة مع قرب اليوم الوطني الثامن والثمانون، فقد فكرت في نفسي وفِي كل المبتعثين.. فنحن ابتعثنا ومرافقينا ببرنامج متكامل تعليمي ورعاية طبية ودراسية وبرواتب شهرية لنا جميعا لأكثر من عقد من الزمن ولأكثر من ٣٠ دولة!، فلم يدر بخلدي يوما.. هم البحث عن لقمة عيشي كي تعينني على تحصيلي العلمي!

&إنها فرصة فتحت لنا آفاق وأبواب العلم الكبرى... وما أن سبحت في خيالي وأفكاري حتى تذكرت بحرقة من فارقونا أجسادا ولكنهم ما زالوا حاضرين في أذهاننا وعقولنا، من زملائنا وزميلاتنا في بلد الابتعاث.. فهم شهداء العلم، دونوا أجمل الذكريات لهم مع مسيرة العلم وبعيدا عن أهاليهم، فبقيت لهم بصمات خالدة في برنامج الابتعاث ولمن يعرفهم بشكل خاص ولله الحمد...
8
فالكثير منهم حقق بصمات مضيئة كما هم زميلانا من مدينة بوسطن الأمريكية ذيب اليامي وجاسر آل راكه، فعملهم البطولي والشهم قد طُبع في ذاكرة الكثير من الأمريكيين، و كذلك عبدالله القاضي صاحب الابتسامة الجميلة من مدينة لوس انجلوس قبل أن يقتل غدرا، ولا ننسى الزميل عبدالجليل الأربش الذي عاد لزيارة الأهل وشحذ الهمة للعودة وطلب العلم ولكن يد الغدر كانت أسرع! وزميلاتنا بسمة العنزي من ولاية أوريغون وسهام العيسى من كولارادو رحمهم الله جميعا وغفر لهم، فارقونا ولَم نفكر وأهاليهم بشعور عائلة صديقي سيدارت!

فما تقدمه حكومتنا الرشيدة من بعثات لجميع المراحل الدراسية وبشروط تعتبر معقولة مقارنة بالدول الأخرى وبدون مقابل.. فرصة عظيمة!، يلزمنا أن نقدرها ونرد الجميل للوطن.

فالشكر لله أولا وللقيادة التي اختارتنا أن نكون سفراء للوطن في بلد الغربة.

وسيبقون دوما في الذكرى والبال بالدعاء لهم بالرحمة والمغفرة.

يقول فيكتور هوجو (لا يمكنك أن تكون بطلا وأنت تقاتل ضد وطنك!).

&أما المرحوم بإذن الله غازي القصيبي قد وصف الوطن بأنه.. رغيف الخبز والسقف، والشعور بالانتماء والدفء والإحساس بالكرامة.

أدام الله الكرامة والعزة لهذا الوطن المعطاء!

* باحث ومرشح الدكتوراه في الهندسة الميكانية الحيوية