نظام العقيد ومعارضوه يتقاسمان الفضاء الالكتروني
الانترنت في ليبيا... الجميع يتمرّد على الحجب والرقابة مُستمرّة

إسماعيل دبارة من تونس: لم تسر رياح التطوّر التكنولوجي بما اشتهاه نظام الزعيم الليبي معمّر القذافيّ وغيره من الزعامات العربية، فالرقابة على الصحف الورقية والكتب و جاوزات الحظر والمصادرة التي طالما اشتكى منها مواطنو الدول العربية ومثقفوها ولم يعد لها من معنى في العام 2009 خصوصًا مع انتشاراستعمال الشبكة العنكبوتيّة وتطوّرها.

ليبيا ليست استثناء في هذا المجال، فالحرب بين الصحافة الالكترونية والمدونين العرب مع أنظمتهم التي تبدو على أشدها، تتخذ في ليبيا شكلاً مميزًا. فالعشرات من المواقع الالكترونية الليبية على شبكة الإنترنت تصارع من اجل فرض مصداقيتها وكسب ودّ المبحرين والزوار، مع رغبة المشرفين عليها لتكون متنفسا لليبيين الذين يشتكون من تراجع الحريات الصحفية في بلداهم و غياب حرية التعبير.

وعلى الرغم من أنّ النظام الليبي تفطّن باكرا لأهمية الانترنت في الدعاية لطروحاته و توجيه الليبيين نحو عدم التمرّد و الرضا على الحاكم و السائد، فإنّ خطاب المواقع الالكترونية الرسمية لا يبدو مقنعا أو جالبا لأنظار مواطني الجماهيرية خصوصا الشباب.

زيد طالب ليبي يدرس بتونس ويبلغ من العمر 22 سنة، يقول إنّه يطلع على أخبار بلاده خلال تواجده في تونس عبر مواقع الويب الرسمية فهو من زوار الموقع الرسمي للعقيد القذافي وموقع وكالة الأنباء الليبية الرسمية وجرائد حكومية على غرار quot;أويا quot; وquot;الشمسquot; وquot;الزحف الأخضرquot; وquot;الفجر الجديدquot; وغيرهم كثير.

عندما أراد زيد أن يتحدث عن مصدر معلوماته، ويقصد بذلك مواقع المعارضة الليبية في الخارج، ألحّ على ضرورة عدم ذكر لقبه في التقرير ويقول:quot;ادخل في كثير من الأحيان إلى مواقع ليبية محسوبة على المعارضة لاستمع إلى وجهة النظر الأخرى واطلع عليها، يقال أنّ تلك المواقع محجوبة انطلاقا من الجماهيرية، و لكنني لم أفكر يومًا في زيارتها إلا عندما أكون متواجدًا في تونسquot;. و يتابع الطالب الجامعيّ:quot;لاحظت كذلك أن تعاونا تونسيا ليبيا جاري به العمل في موضوع حجب المواقع المعارضة، فبعضها لا يفتح من تونس على الرغم من أنها لا تتحدث عن الشأن المحلي التونسيّ هو بالتأكيد تعاون بين البلدين كون الجالية الليبية في تونس كبيرةquot;.

من داخل الجماهيرية تبدو الأمور أكثر قسوة، إذ ذكر عدد من مستعملي الانترنت لإيلاف عبر الهاتف و عبر غرف الدردشة المغلقة أنّ quot;رقابة الأمن و مسؤولي مقاهي الانترنت على أشدها هذه الأيام، بالإضافة إلى وجود معلقات و تعليمات صارمة بعدم الدخول إلى المواقع المناوئةquot;. ويقول أحد مستعملي الانترنت واسمه عصام أنه تعرض لبحث امني على خلفيّة زيارته لموقع إخباري ليبي معروف، لكنه أكد في ذات الوقت أن الممنوعات في ليبيا اقل بكثير مما هي عليه في دول عربيّة أخرىquot;.

الصحافي الليبي عمر الكدّي عدّد لإيلاف أهم المواقع المحجوبة في ليبيا، و استنادا إليه فإنّ quot;الحجب طال موقع ليبيا وطننا، الذي يشرف عليه الدكتور إبراهيم غنيوة، وهو أقدم واشمل موقع ليبي، ومن بين أول المواقع العربية التي ظهرت على الشبكة الدولية للمعلومات، وينشر هذا الموقع للجميع للنظام وللمعارضين، للكتاب والصحافيين المحترفين وللقراء، وصاحب الموقع كان معارضا نشطا، ولكنه منذ سنوات اكتفى فقط بالنشر للآخرين واكتفى بالصمت، كما حجب موقع ليبيا المستقبل الذي يشرف عليه المعارض النشط حسن الأمين، وموقع الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا.

وعلى الرغم من هذا الحجب إلا انه يمكن الوصول إلى هذه المواقع من خلال الأقمار الاصطناعية، وأيضا من خلال الأزقة الخلفية في الشبكة الدولية للمعلومات،وفي الآونة الأخيرة تمت قرصنة مجموعة من المواقع والاستيلاء عليها، وهي موقع جيل ليبيا، أخبار ليبيا، موقع الشفافية، ومنتدى التنمية، وموقع الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، ولكنها عادت جميعها، ويبدو أن المسئول على القرصنة مواطن ليبي يقيم في الولايات المتحدة.

عدد من التقارير المحسوبة على معارضي نظام العقيد معمر القذافي ذكرت أن عمليات التخريب و القرصنة التي طالت عددا من المواقع في العام 2008 تحمل بصمة حكومية كونها quot;تضايقت مما تنشره تلك المواقع و تجاوب المواطنين معها و تفاعلهم مع عدد من المقالات إما برسائل بريدية الكترونيّة أو على شكل تعليقات تتيحها بعض المواقع التفاعليةquot;. وبالرغم من الانتشار الواسع للانترنت في ليبيا، وفتح المزيد من المقاهي أمام الرواد، إلا أنّ عدة مؤشرات تدلّ على أنّ الأمن يراقبها عن كثب ويضايق روّادها.

يقول عمر الكديّ quot;بعد إغلاق عدة مقاهي، أضحى أصحاب المقاهي هم من يراقب الزبائن، وفي هذا الشأن لا تختلف ليبيا عن دول الجوار، وخاصة تونس، إلا أن الذين دفعوا الثمن من وراء جرأتهم وكتاباتهم على الانترنت يبدو أكبر من بقية الدول، ففي عام 2005 قتل الصحافي ضيف الغزال بطريقة بشعة، ومثل بجثته التي وجدت في مكب للنفايات في بنغازي، بعد أن قطعت أصابع يده اليمنى، وعلى الرغم من إلقاء السلطات القبض على المتهمين بخطفه وتصفيته، وهم أعضاء في اللجان الثورية، إلا أنهم لم يقدموا للمحاكمة حتى الآن، كما سجن الكاتب عبد الرزاق المنصوري بعد أن كتب عدة مقالات نقدية في مواقع خارج ليبيا، وتلاحق نيابة الصحافة هذه الأيام عددا من الكتاب والصحافيين بسبب كتاباتهم في مواقع خارج ليبيا، منهم الدكتور فتحي البعجة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قاريونس، ومراسل موقع الجزيرة .نت خالد المهير، والكاتبة نجوى بن شتوان، بسبب روايتها الأخيرة، أما بخصوص النشطاء الحقوقيين، فقد ألقي القبض على الدكتور جمعة عتيقة، وأتهم بجريمة حدثت منذ ربع قرن، وكان قد سجن سبع سنوات في عقد التسعينات، قبل أن تبرأه المحكمة، كما خطف المحامي ضو المنصوري من مكتبه، وألقي في طريق سريع مقيد اليدين والقدمين، بسبب نشاطه الحقوقي، ومحاولة إشهار جمعية من جمعيات المجتمع المدني، بالإضافة إلى هذا يعتبر ارتفاع الأسعار للاشتراك في خدمة الانترنت، مشكلة كبيرة أمام الليبيين، ويشرف على الشركة التي تحتكر هذه الخدمة، محمد القذافي النجل الأكبر للعقيد القذافي، ومع ذلك ارتفع عدد المدونين الليبيين ليشمل معظم الكتاب والمبدعين، والمثقفين المهتمين بالشأن العامquot;.

الحجب ومحاولة السيطرة على المواقع الإلكترونية إما بالرقابة أو quot;القرصنةquot; لم يعد له من معنى مع الجيل الجديد من شباب العرب، فشباب ليبيا كغيره من شباب الدول المجاورة يستطيع فك الحجب والالتفاف على الرقابة التي تتمسك بها بعض الحكومات العربية.

وكشف عدد من الشباب الليبي المقيم في تونس على أنهم quot;يتصلون بشباب تونسي ومغربي وسعودي ومهندسين كبار في مجال الإعلامية والانترنت لشراء برامج فك الحجب المعروفة بالبروكسي والبرامج القادرة على التشويش على الرقابة و تضليلها عبر التغيير المستمر لعنوان الـquot;اي بيquot; الخاص بكل حاسوبquot;.

ومع تمكن مستعملي الانترنت في ليبيا من quot;التسللquot; بلا قيود إلى عدد من المواقع التي يجرّمها أعوان الأمن، كثفت السلطات هي الأخرى من إجراءات الردع والعقاب لكل من يطوّر خططه لفك الحجب أو تجاوزه.

quot; الأنظمة فقدت القدرة في السيطرة على هذه الثورة المعلوماتية، ويستطيع الناس بسهولة الوصول إلى المعلومات رغم أنف الحكومات وأجهزتهاquot; يقول عمر الكدي الصحافي بإذاعة هولندا الدولية ويتابع:quot; ثمة طريقتين تعتمدهما السلطة في مواجهة هذه المشكلة، الطريقة الأولى هي التي يفضلها ما أصبح يعرف في ليبيا بالتيار الجذري، من اللجان الثورية، والأجهزة الأمنية، وهي اعتماد الشدة والبطش ضد من يتجرأ ويعبر عن رأيه، كما حدث مع سجين الرأي فتحي الجهمي، والدكتور إدريس أبوفايد، الذي أطلق سراحه مؤخرا بعد أن اتضح أنه يعاني من مرحلة متقدمة من مرض السرطان، بينما لا يزال رفاقه وفي مقدمتهم جمال الحاجي رهن الاعتقال.

في الوقت الذي يرى فيه ما يسمى بالتيار الإصلاحي الذي يقوده سيف الإسلام أنه توجد طريقة أخرى أكثر جدوى وفاعلية، وهي المعتمدة في الكثير من الدول العربية، التي تسمح بالصحافة المستقلة وإنشاء الأحزاب، ولكن هذا لا يعني أن النظام أصبح مهددًا وضعيفًا، وبدلا من البطش بالناشطين يتم تحويله للمحاكم التي ستحكم عليهم بغرامات مالية باهظة، وهكذا يتم تجفيف مصادرهم المالية، في الوقت الذي تسيطر فيه الحكومة على أهم وسائل الإعلام، وتمنح المقربين منها تراخيص إصدار مطبوعات خاصة، كما لا تبخل عليهم بالإعلانات، وسيف الإسلام هو الليبي الوحيد الذي يملك شركة تسمى شركة الغد، تصدر صحيفتين يوميتين، ولها قناة فضائية، ومحطة إذاعية، وكانت قد أبرمت عقدا لتوزيع تسعين صحيفة ومجلة ومطبوعة عربية وأجنبية، منها صحف أميركية، بريطانية، فرنسية، وألمانية، بالإضافة إلى الصحف العربية الكبيرة الصادرة في أوروبا، وهي المطبوعات التي منعت من دخول البلاد منذ أكثر من ربع قرنquot;.

واستنادًا إلى الكدّي فإن الذين سيستفيدون من هذه الخدمات من الليبيين، هم فقط القادرين على شراءها، أما السواد الأعظم فسيلجأ إلى الانترنت حيث سيقرأ هذه المطبوعات مجانا، خاصة إذا كان موظفا في الدولة، حيث يمكنه التمتع بخدمات الانترنت مجانا في مكاتب الدولة، كما أنه يمكن الضغط على هذه المطبوعات لمنعها من توجيه النقد إلى ليبيا عندما تكون لها مصالح في البلاد.

يشار إلى أن ليبيا اعتمدت خطة شاملة منذ نهاية عام 1999 ترنو إلى تصميم الربط التدريجي بشبكة الانترنت خصوصا و انه تأخر للغاية مقارنة بالدول العربية الأخرى وذلك راجع إلى العقوبات الدولية التي مرت بها الجماهيرية بين عامي 1992 ndash; 1999، قبل أن تسعى الحكومة للحاق بركب التكنولوجيا من خلال إدخال التكنولوجيا العلمية والتقنية الحديثة إلى كافة المعاهد والمدارس الثانوية و فتح مقاهي الانترنت التي يقال إنها تبلغ أكثر من أربعة ألاف مقهى حاليا في حين يتجاوز عدد مستعملي الشبكة العنكبوتية المليون ونصف مستعمل.

وبكل حال، تبقى المواقع الالكترونية في ليبيا عرضة لانتقادات عدة من زوراها وهو ما يمكن لمسه من خلال تعليقاتهم ومقالاتهم، خصوصا فيما يتعلق بالمهنية والتصميم التقليديّ وغياب الفيديو والملفات الصوتيّة وتباين معدلات الموضوعية من موقع إلى آخر.

وعلى الرغم من أن عددًا من مستعملي النت في ليبيا يؤكد على غياب الخطاب الإعلامي والسياسي الموضوعي عبر الشبكة، التي يتقاسمها النظام والمعارضة، إلا أن عمر الكدي يجزم بوجود خطاب مستقل حقيقي عن كلا الطرفين ويقول: quot;نعم ثمة خطاب مستقل عن السلطة والمعارضة، وهي مجموعة من المواقع التي تركز على العمل الإعلامي المهني، ويكتب في هذه المواقع كتاب وصحافيون من الداخل والخارج، ولكن هناك مواقع محسوبة على تيارات سياسية في ليبيا، كانت قد تصالحت مع النظام يكتب فيها أيضًا كتاب من الداخل والخارج، ومنها موقع quot;ليبيا اليومquot;، وquot;المنارةquot; المحسوبان على الإخوان المسلمين، كما توجد مواقع داخل ليبيا تتميز بمسحة نقدية مثل موقع quot;جولياناquot; وquot;السلفيومquot;، ولكن الخطاب المحايد لا يلقى قبولاً، بسبب ضمور الثقافة السياسية، والوعي بالاختلاف والتعدد بين الليبيين، فمعظمهم يقبلون على المواقع التي يرونها تمثل وجهة نظرهم، كما أن اللغة المستخدمة بين الفرقاء الليبيين هي أقرب إلى السباب والشتائم منها إلى الاختلاف السياسي والايدولوجيا، ويسود بين الناشطين سواء على النت أو في غرف الدردشة مثل البالتوك، لغة التخوين والتكفير باستثناء الغرف التي تنظمها جهات معروفة، وتوجه الدعوة إلى شخصيات محددة للحديث حول موضوع معين، ويمكن القول إنّ الليبيين بشكل عام أصبحوا انضج من السابق منذ ظهور الانترنت، وأصبحوا يعقلنون خلافاتهم بمرور الوقت، ولعل جزءا من الفضل يعود إلى رائد الصحافة الالكترونية في ليبيا الدكتور إبراهيم غنيوة المقيم في الولايات المتحدة، الذي سمح لليبيين بالتعبير بأي طريقة، ولو كان مجرد صراخ، في بلد يمنع فيه الضحية من الصراخquot;.