شيعة في مسيرة عاشوراء

ركزت واقعة إتهام مصرف أردني بأنه بوابة للتمدد الشيعي في الأردن - رغم نفي الأخير للأمر علنا - الأنظار بشدة على ملف الشيعة في الأردن، وسط معلومات متضاربة حول أماكن تواجدهم، أعدادهم، أصولهم ، وفي ظل أنباء تزعم بأن أعدادهم في تزايد مستمر، وأن جهات سرية تنشر التشيع أردنيا في بؤر فقيرة إستغلالا لحاجتهم المادية، ولاسيما أن جهات دينية أردنية تتحدث عن حسينيات سرية تمارس فيها العبادات بعيدا عن الأعين... quot;إيلافquot; تسلط الضوء على هذه القضية مع مختصين أردنيين، وعبر دراسات آخرين من الأردن حول الموضوع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يرى البعض في عمان أن التمدد الشيعي في الأردن ndash; وهي القضية المقلقة للسلطات المحلية - هو محض سياسي تأثرا بالإنتصارات الشيعية التي جسدها حزب الله اللبناني في حربه ضد إسرائيل عام 2006، وهي الإنتصارات التي واكبها الأردنيون وقتذاك بأن رفعوا أعلاما لحزب الله، وصورا للسيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله خلال تظاهراتهم الداعمة والمساندة.

ويأتي من يرفع صوته في الداخل الأردني محذرا من التمدد الشيعي ليس السياسي فحسب، بل كذلك الديني مع تزايد لافت لأعداد المتشيعين في الأردن، معتبرين أن التشيع المشار إليه، ليس تأثرا فقط بإنتصارات حزب الله اللبناني الشيعي، أو من قبيل التأثر الموقت، إنما لإزدياد حركات التشيع السرية في الأردن، التي باتت تستهدف البؤر الفقيرة في الأردن لاستمالة القاطنين فيها الى المذهب الشيعي، حيث يسمون لاحقا بإسم quot;المستبصرونquot; وهو إسم يطلقه الشيعة على كل من يتحول الى المذهب الشيعي بعد أن يكون من أفراد المذهب السني.

ووفقا للكاتب والمحلل السياسي الأردني الخبير بشؤون الحركات والفرق الإسلامية الدكتور محمد أبورمان لـquot;إيلافquot;: فإن الإنتباه الرسمي الأردني لهذه المسألة جاء من زاوية سياسية وليس دينية في العام 2006، وتحديدا بعد انقضاء الحرب الإسرائيلية على لبنان، حيث اعتبرت أوساط شعبية أردنية واسعة أن حزب الله الشيعي قد حقق إنتصارات مهمة جدا على إسرائيل، إذ تخوفت السلطات الرسمية الأردنية من أن يكون هذا الإندفاع الشعبي خلف إنتصارات حزب الله، مقدمة لنفوذ إيراني واسع في الأردن عبر البوابة العاطفية للشعب الأردني، إلا أن هذا الوضع يقابله بإستمرار حقيقة وجود شيعة في الأردن منذ سنوات طويلة جدا، في قرى أردنية، وأن أعدادهم ليست بسيطة، إلا أنه بعد العام 2006 كثر الحديث عن تزايد أعدادهم في الأردن، لكن هناك من يخلط باستمرار بين التشيع الديني، والتشيع السياسي القائم على نموذج الإعجاب المتزايد بكيانات شيعية مثل إيران وحزب الله اللبناني في مقارعة الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، علما أن الرفض الرسمي للتشيع والشيعة والنفوذ الإيراني ليس حكرا على الأردن، هناك دول الإعتدال العربي بشكل عام قلقة أيضا من هذه المسألة.

أضرارا إسرائيليةبعد مواجهة مع حزب الله
ويقول الدكتور أبورمان صاحب تحقيق صحافي عن الوجود الشيعي في الأردن: يأتي الجدل الأردني حول التشيع والنفوذ السياسي الإيراني في المنطقة في سياق حالة الاستقطاب السياسي الإقليمي الواضح اليوم بين المحور الإيراني - السوري المعزز بتأييد حركات إسلامية والمحور الذي يطلق على نفسه quot;معسكر الاعتدال العربيquot; وعماده الرئيس (مصر، السعودية، الأردن). فالتخوف العربي، من النفوذ الإيراني، يبرز بوضوح في تصريحات لكبار المسؤولين تحذر من نفوذ إيران، وتشكك في quot;ولاء الشيعة العربquot;، وفي مقالات تتحدث عن إعادة تصدير الثورة من جديد على يد نجاد ومجموعته الحاكمة اليوم.

ويتابع الدكتور أبورمان ويقول: النفوذ الإيراني الأبرز يبدأ من شيعة العراق. حيث يتواجد أكثر من مائة واربعين الف جندي أميركي هناك، سيتعرضون لمشكلات أمنية كبيرة في حال تعززت فرص المواجهة بين طهران وواشنطن، ويؤدي إصرار شيعة العراق بإقامة إقليم شيعي فدرالي بالجنوب إلى منح إيران دورا إقليميا كبيراً. وثمة علاقة وطيدة بين إيران وحزب الله، بل إن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يعد وكيل آية الله خامنئي في لبنان. كما ترتبط حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بإيران من خلال الدعم المالي واللقاءات والحوارات، وتأثر قادة الحركة ومؤسسيها بالثورة الإيرانية، وهنالك علاقة روحية وسياسية وتاريخية تربط بين إيران وبين الأقليات الشيعية في دول الخليج العربي وبالتحديد في الكويت والبحرين.

التشيع في الأردن
ووفقا للدكتور أبورمان أيضا: لا يمكن الجزم بأعداد المتشيعين الأردنيين، وإن كان هنالك اتفاق بين مختلف الأطراف الرسمية والقريبة من الشيعة على أنّ الظاهرة محدودة، لكنّها فاعلة في السنوات الأخيرة، وتصل وفق أغلب التقديرات الرسمية وغير الرسمية، ومنها مصادر من القريبين والراصدين لظاهرة التشيع، إلى مئات الأشخاص، سواء من رجال ونساء وعائلات.

معلومات رسمية كما يقول أبورمان، ويؤكدها بعض المتشيعين أنّ هنالك قرابة الثلاثين عائلة في مخيم البقعة تشيّعت في الآونة الأخيرة، كما أن هنالك ظاهرة محدودة للتشيع في مدينة السلط، بالإضافة إلى عائلة أو أكثر في مخيم مادبا وحالات في إربد والزرقاء وجرش والكرك، والانتشار الأبرز للظاهرة يظهر في ضواحي مختلفة من عمان، إذ ازدهرت ظاهرة التشيع في السنوات الأخيرة، بعد احتلال بغداد، ووفود مئات الآلاف من العراقيين إلى الأردن، وفق تقديرات غير رسمية ndash; كما يقول أبورمان - هنالك عشرات الآلاف من الشيعة، شريحة واسعة منهم من الأثرياء والمثقفين.

وبشكل عام يؤكد أبورمان أن هنالك اتفاقا على أنّ المتشيعين يمتازون بمستوى ثقافي جيد، وأكثرهم من المتعلمين والدارسين. ويلفت أحد المسؤولين - وفقا للدكتور أبورمان - الانتباه إلى أنّ ذلك مدعاة للقلق، مقارنة بجماعات التكفير والقاعدة التي يتسم أفرادها بضعف التحصيل العلمي والمعرفي، ويتسمون في الأغلب بقلة الاطلاع والدراسة وضحالة الجدل والمحاججة.

مظاهرة أردنية ترفع صورة حسن نصر الله


ووفقا للخبير الدكتور أبو رمان ينشط الشيعة العراقيون بإقامة احتفالاتهم الدينية وإحياء المناسبات الشيعية، وقد حوّل عدد منهم منازلهم إلى حسينيات، يجتمعون فيها ويحضرها متشيعون أردنيون ويقرأون فيها سيرة الحسين وينشدون الأناشيد الدينية، إحدى هذه الحسينيات المعروفة كانت في جبل الجوفة، قبل أن تعتقل الأجهزة الرسمية إمام هذه الحسينية السيد علي السغبري، وتقوم باستجوابه ثم بترحيله.

في هذا الإطار تحديدا تؤكد مصادر متعددة أن عائلة شيعية - عراقية ثرية حاولت في آواخر العام المنصرم الحصول على ترخيص في بناء مسجد ملحق به حسينية، في ضاحية عبدون، المعروفة بأنها أرقى وأغنى أحياء عمان، وتأسيس جمعية تحمل اسم الإمام الحسين، إلا أن المؤسسة الرسمية استشيرت في الطلب، وتم رفضه بإيعاز أعلى من مرجعيات أردنية.

وجود شيعي قديم
وقبل الولوج إلى استنطاق ظاهرة quot;التشيعquot; في الأردن يقول الدكتور أبورمان، يجدر الوقوف عند وجود عشائر أردنية شيعية في الأصل منذ بدايات تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية، بل وتعود جذور بعضها إلى عام 1890، وأصل هذه العشائر من جنوب لبنان، وتحمل الجنسية الأردنية أباً عن جد، مثلها مثل باقي العشائر الأخرى، إذ يبلغ تعدادهم قرابة ثلاثة آلاف شخص، وهو الرقم الذي لا توجد إحصائية دقيقة تنفيه أو تثبته. وتقطن العشائر الشيعية الأردنية في عدة مناطق رئيسة: الرمثا، دير أبو سعيد، اربد وعمان، وأبرزها عائلات بيضون، سعد، ديباجة، فردوس، جمعة، الشرارة، حرب، برجاوي، البزة. ولا تحتفظ هذه العشائر بأية عادات أو تقاليد خاصة، مخالفة للتقاليد الأردنية، وتندمج في المجتمع الأردني بشكل كامل، وتشاركه في مختلف المناسبات، وإن كان بعضها يحتفل رمزياً بالمناسبات الدينية الشيعية.

ويشير الدكتور أبو رمان الى أنه في منتصف التسعينات برزت علاقة بين شخصيات من هذه العشائر وبين مؤسسة الخوئي في لندن، بمباركة من ولي العهد الأردني السابق الأمير الحسن، وقد كان حريصاً على حوار المذاهب والطوائف المختلفة، وكان ثمة تفكير بتأسيس مؤسسة خاصة بهم تحت اسم quot;أبو ذر الغفاريquot; إلاّ أن الدولة عادت وتراجعت عن دعم الفكرة فيما بعد.

يؤكد أحد وجوه الشيعة الأردنيين، عقيل بيضون، أن ولاءهم السياسي للحكم الهاشمي في الأردن، يندرج من quot;صميم حبهم وولائهم لآل البيت الأطهارquot;، وفي حال تجذرت سياسة المحاور في المنطقة وبرزت التناقضات بين الأردن وايران يؤكد الوجه الشيعي أن انحيازهم للأردن وللهاشميين، مع أنه يقر أن ثمة ازدواجية بين عقيدتهم الدينية التي تجعل ارتباطهم السياسي بالإمام الغائب أو من ينوب عنه quot;الفقيه الوليquot; وبين انتمائهم الوطني. ووفقا للدكتور أبورمان فإن هذا الموقف يذكر بموقف شيعة العراق، في بداية الحرب العراقية - الإيرانية عندما انحازوا بوضوح للبعد الوطني - القومي على حساب البعد المذهبي.

جنود إسرائيليون منهكون بعد معارك مع حزب الله
وتقرمصادر رسمية للخبير الدكتور محمد أبورمان بوجود عشائر أردنية شيعية، وتؤكد على حقوق أفرادها في المواطنة الكاملة، وعلاقتها الجيدة بالدولة، ومع ذلك لا تخفي وجود علامة استفهام حول ولاء بعض الشيعة الأردنيين، وارتباطهم بالمؤسسات الدينية الشيعية، خارج الأردن، وعلاقة بعض الأفراد بحزب الله حيث يوجد الشيعة في جنوب لبنان.

رأي مخالف
من جهته يرى الإعلامي الأردني البارز باسم سكجها أن الأردن على المستوى الشعبي لا يرفض الوجود الشيعي، بل أن هنالك تحسسا رسميا، وقلقا من أن يكون التواجد الشيعي تقف خلفه مساع لنفوذ إيراني في المنطقة، سبق للأردن الرسمي أن أعلن مخاوفه بصراحة في هذا الإطار.

ووفقا لسكجها فإن رفض الأردن منح ترخيص لمسجد شيعي أو حسينية لا يعني رفضا للطائفة الشيعية، بل خوفا من أن تتحول تلك المساجد أو الحسينيات منطلقا لأنشطة سياسية ربما يصيب أمن الأردن القومي منها ضررا مباشرا، إذ يؤكد سكجها كلامه لـquot;إيلافquot; بالقول: quot;للدلالة على أن التشدد الرسمي لاعلاقة له مطلقا بالمذهب الشيعي، فلتأت حركة حماس السنية مثلا لتطلب ترخيصا لإقامة أي نشاط من أي نوع حتى لو كان دينيا فإن الأردن سيرفض رسميا منح أي تراخيص لذلك، لأن التحسس الرسمي دائما يكون من ممارسة أنشطة سياسية أو دينية ضارة بالأمن القومي الأردنيquot;.

يشار الى أن الأردن قام في عام 1999 بطرد قادة حركة حماس من الأردن بصورة نهائية، ومنهم من يحمل الجنسية الأردنية، وقام لاحقا بإقفال مكاتبها السياسية والإعلامية، وخير موظفيها في الأردن بين الإحتفاظ بالجنسية الأردنية، أو بقائهم أعضاء ناشطين في حركة حماس، لتعارض هذا الأمر رسميا مع مواد الدستور الأردني، وتوترت العلاقات لاحقا بشدة بين الأردن وحركة حماس الى مستويات مقلقة جدا.

حالات رفض شعبية
وقبل نحو العامين تحرك أهالي مدينة الكرك الأردنية الجنوبية لمنع المئات من الشيعة العراقيين زيارة مراقد لصحابة وأئمة تتواجد في المدينة الجنوبية، ومنع العراقيين وقتذاك من زيارة تلك المراقد، في أبرز حالات الرفض الشعبي الأردني لأي وجود شيعي، رغم أن المدينة ذاتها قد شهدت في سنوات سابقة أيضا إحياء لذكرى مقتل الإمام الحسين، إذ أبرزت وسائل إعلام أردنية لقطات لأردنيين من الشيعة وهم يطبرون رؤوسهم، ويلطمون، إلا أن الصور الملتقطة أظهرت ضآلة الأعداد، وربما هذا هو السبب الذي كمن وراء عدم تحرك السلطات الرسمية الأردنية بشكل رسمي للتصدي للظاهرة.

السيد حسن نصر الله

وقبل أربعة أعوام فقد هدد النائب الأردني السابق تيسير الفتياني أحد كوادر حركة الأخوان المسلمين بمساءلة الحكومة الأردنية رسميا، إذا ما إستمر صمتها إزاء حركات التشيع التي تنشر التمدد الشيعي في الأردن، عبر إستغلالها لحاجات الناس المادية عبر إغراقهم بتقديمات مالية منتظمة، لإستمالتهم نحو حسينيات تنصب في بيوت العراقيين الأثرياء الذين وفدوا الى العاصمة الأردنية عمان للإقامة فيها بكثافة منذ العام 2003 هربا من الظروف الأمنية والعسكرية في بلادهم، علما أن معلومات غير رسمية تشير الى أن 50% من نحو مليون عراقي يقيمون في الأردن هم من أتباع المذهب الشيعي.

إلا أن أبرز حالات الرفض الشعبية الأردنية للوجود الشيعي في الأردن كان آخرها عندما أقدم مصرف أردني - تحول مؤخرا الى النظام الإسلامي بأموال إماراتية - الى إدراج عبارة يرددها الشيعة كثيرا وهي quot;علي ولي اللهquot; في أحد إعلاناتهم التجارية الكثيفة للتعريف بالهوية الجديدة للمصرف الأردني، إلا أن وسائل إعلام أردنية عدة شنت هجوما واسعا على إدارة المصرف، حيت رأت أن هدف الإدارة من إقحام هكذا عبارات في إعلانات تجارية هو التهيئة للتمدد الشيعي في الأردن، إذ صب قراء المواقع الإخبارية الأردنية جام غضبهم على البنك، رافضين أي وجود شيعي في الأردن، وهو ما دفع المصرف الأردني الى الإعتذار، وإعتبار ما حدث هفوة يتحملها الوكيل الإعلاني للمصرف الأردني الذي أدار الحملة الإعلانية.