يدعو الكاتب روبرت فيسك اللبنانيين إلى الخجل من سوء معاملتهم للسوريين النازحين هربًا من الحرب في بلادهم، لكنه يسأل إن كان لبنان قادرًا على منع تحول المخيمات الجديدة إلى بؤر مسلحة خارج السيطرة الشرعية.


ساره الشمالي من لندن: كان روبرت فيسك، الكاتب في صحيفة إندبندنت البريطانية، في صيدا، فتوقف لشراء الجوز من بائع أدرك سريعًا أنه سوري، وعرف بعدها أنه نازح من بلودان.

يتذكر فيسك في مقالته، التي عنونها quot;ليستح اللبنانيون من معاملتهم للسوريينquot;، كيف كان يستقل القطار البخاري من محطة الحج في دمشق القديمة، صعودًا إلى بلودان والزبداني. فبلودان، بحسبه، منتجع مشجّر، كان يغطي سلسلة من المنازل الأسمنتية غير المنتظمة، إلى جانبها كانت تنتصب صورٌ لحافظ الأسد، والد الرئيس السوري الحالي بشار. هناك، وعلى بعد أميال ثمانية من الأراضي اللبنانية، كان الفلسطينيون يتدربون في مخيمات إلى جانبها مقر قيادة الحرس الثوري الإيراني. وغير بعيد من هذه المقار، كانت طريق التهريب تمتد من بلودان والزبداني إلى البقاع في لبنان.

فقراء وأغنياء
يتذكر فيسك بلودان البلدة المسيحية، إلى جانب الزبداني السنية، والبلدتان اليوم على خط النار في الحرب الأهلية السورية. تحول خط التهريب من لبنان إلى سوريا إلى خط معاكس لهرب السوريين إلى لبنان، أرض الأمن والأمان، الذي يئن اليوم تحت أحمال 1.3 مليون نازح سوري، 780 ألفًا منهم فقط هم مسجلون في سجلات مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة.

يقول فيسك: quot;وهذا يعني أن واحدًا من كل أربعة أشخاص في لبنان هو سوري، وهو يعيش حياة مزرية، فالفقير السوري يتسوّل لقمة العيش في طرابلس وبيروت وصيدا وصور، بينما يمر به الغني السوري بسيارته الفارهة، آتيًا من مناطق سورية بعيدة، كالرقة ودير الزور ودرعاquot;.

يضيف: quot;نصف الذين ألتقيهم في بيروت من السوريين، يعملون اليوم في مواقع البناء، وقد كانوا قبل عامين ونيف من اليوم من مناصري بشار الأسد، ثم تحوّل الفقراء منهم إلى مناصرين للجيش السوري الحر، بينما تبيّن أن المشرفين عليهم في ورش البناء يعملون مع المخابرات السوريةquot;.

انتقل الميسورون السوريون إلى شقق فخمة في وسط بيروت، فعندما يسافر فيسك من بيروت إلى دمشق في عطلة نهاية الأسبوع لا يجد العديد من أصدقائه فيها، بل انتقلوا إلى بيروت لتمضية عطلة نهاية الأسبوع أيضًا.

ابتزاز وفرز طائفي
حين نزح اللبنانيون إلى سوريا إبان الحرب الأهلية اللبنانية، اهتمّ بهم النظام السوري. اليوم، يتذمّر اللبنانيون من موجات النزوح الآتية من الشرق والشمال، فيتعرّض النازحون السوريون للضرب أثناء انتظارهم على المعابر الحدودية اللبنانية، ومتى وصلوا إلى لبنان تعرّضوا للابتزاز والاحتيال، حين يسعون إلى استئجار منزل مهما كان متواضعًا. كما يعرب فيسك عن أسفه حين يقول إن بعض البلدات المسيحية تطلب من السوريين عدم التجوّل في شوارعها بعد الثامنة مساءً.

يقول فيسك في مقالته إن الفلسطينيين المسيحيين، الذين فرّوا من دمشق، يعيشون في منازل من غرفة واحدة في المخيم الفلسطيني المسيحي الوحيد في ضبيه، بينما لجأ الفلسطينيون السنة من مخيم اليرموك إلى مخيمي صبرا وشاتيلا ببيروت. ولا يستغرب فيسك مساعي نجيب ميقاتي، الرئيس الشبح للحكومة التي تبدو غير موجودة أصلًا، للتحقق من كل سوري يدخل الأراضي اللبنانية، ليُعرف إن كانت تنطبق عليه شروط وأحكام اللجوء. أما تداعيات ذلك فواضحة: سيتم ترحيل كل سوري دخل لبنان ليحشد الدعم للنظام أو للمعارضة.

مخيمات مسلحة
يريد العماد ميشال عون، رئيس التيار الوطني الحر، إقفال الحدود اللبنانية السورية بوجه النازحين. وهذا مفهوم بالنسبة إلى فيسك، فعون موال للأسد، بينما غالبية اللاجيئن السوريين إلى لبنان من السنة، معارضة للأسد.

لكن الجيش اللبناني والأمن الداخلي يخافان فعليًا من أن تتحوّل مخيمات اللاجئين الوليدة في البقاع إلى مخيم عين الحلوة مصغر، خصوصًا أن مخيم عين الحلوة اليوم يشهد ترعرعًا لعناصر القاعدة وللسلفيين.

فالجيش اللبناني يخشى أن تنمو في مخيمات البقاع مجموعات مسلحة تدعم الجيش السوري الحر وجبهة النصرة، اللذين يقاتلان في سوريا للخلاص من النظام الحاكم. فلبنان لا يمكنه تحمل مسؤولية تحوّل مدن واسعة من الخيم السورية إلى مخيمات مسلحة، لا تخضع للسلطة اللبنانية. ويتساءل فيسك في إندبندنت: quot;هل يستطيع اللبنانيون منع ذلك بعد؟quot;.