يؤكد المشايخ السنّة والشيعة في لبنان على ضرورة مطالبة المرأة بحقوقها، شرط ألا تخالف تلك الحقوق الشرع والدين، علمًا أنهم رفضوا اتفاقية سيداو لإلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة.


ريما زهار من بيروت: بين ضرورة تطبيق كل البنود المتعلقة بحقوق المرأة وبين ما يحكم به بعض النصوص الدينية، يبقى العائق كبيرًا أمام وصول المرأة اللبنانية، وخصوصًا المسلمة، إلى كامل حقوقها وإلى مساواتها بالرجل. يكفي أن نلقي نظرة اليوم على مسألة تعنيف الرجل للمرأة في لبنان، لتدل الإحصاءات على أن 87 في المئة من النساء يتعرّضن للعنف اللفظي، ونحو 68 في المئة منهن يتعرّضن للعنف الجسدي.

ترى إقبال دوغان، رئيسة المجلس النسائي سابقًا، في حديثها لـquot;إيلافquot; أن العمل جارٍ بقوة من أجل حقوق المرأة العاملة اليوم، مع كل الحملات الأخرى، كالجنسية والعنف، والهدف الأساسي هو توحيد إجازة الأمومة في القطاعين العام والخاص، مع زيادتها إلى 10 أسابيع، والتي أصبح مشروعها اليوم في مجلس النواب.

لا ترى دوغان في مطالبة المرأة بحقوقها الاجتماعية أية بدعة أوروبية أو غيرها، quot;بل هي من مكملات حقوق الإنسان، ولبنان كان مدماكًا أساسيًا في وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والدين يتكلم عن حقوق الإنسان، بما فيها حقوق المرأةquot;.

تشير دوغان إلى العقلية الذكورية السائدة في المجتمع اللبناني، وتتهمها بالوقوف وراء عدم حصول المرأة على حقوقها كاملة، quot;لكن على المرأة أن تتحرك أكثر، كما تفعل اليوم بمشاركتها الكثيفة في الحركة المطلبية لسلم الرتب والرواتب، فمن يقوم بتلك الحركة في الشارع نساء، وهذا ما لاحظه الجميع، وهذا يعني أن المرأة اليوم أصبحت معيلة أساسية لعائلتها، لكنها بالرغم من ذلك تعاني من تراجع الوعي بحقوقها الاساسية.

ضمن الأصول الشرعية
يتحدث الشيخ حسن شحادة، قاضي بيروت الشرعي، عن المرأة في الإسلام، فيقول لـquot;إيلافquot; إن موقف الإسلام اليوم معروف وواضح جدًا تجاه حقوق المرأة في لبنان، quot;فالقيادات الإسلامية لا تعارض المرأة التي ترفع صوتها مطالبة بحقوقها، فقط تعارض أي مخالفة شرعية يتضمنها أي قانون قد تطالب به المرأة، وتقف هذه القيادات في صفها لتنال كل حقوقها، لكن ضمن الأصول القانونية والشرعية لكل طائفةquot;.

يضيف: quot;من حق كل مسؤول ديني الحفاظ على طائفته ودينه بما لا يتعارض مع حقوق المرأة في لبنانquot;. ثمة قضايا تتعلق بالمرأة وحقوقها رفضها الإسلام، بحجة المحافظة على الشريعة، كالعنف ضد المرأة ومطالبتها بالطلاق.

يقول شحادة إن هذا الأمر ليس مرفوضًا بالمطلق، quot;بل عندما يتبين في بعض الحالات أن هناك نساء معنّفات يتعرّضن للضرب والمهانة، فيحق لهن الطلاق، والقاضي الشرعي يتحقق من الإيذاء والضرب المبرح للمرأة ويحكم بالطلاق على مسؤولية الضارب، ويحكم عليه بنفقة لمطلقته، فيحفظ كرامتهاquot;.

قبل الزواج لا بعده
يرفض شحادة الإقرار بأن أهل السنة يقفون ضد المرأة المطالبة بحقوقها، خصوصًا مع رفض نواب سنة في البرلمان المصادقة على قانون حمايتها من العنف المنزلي، ويقول: quot;هذا كلام إعلامي، وليس دقيقًا، فالاسلام قدم إلى المرأة ما لم يقدمه أحد، وعلى سبيل المثال لا الحصر، المرأة إذا تزوجت، وكانت من قوم فيه خدم، وطلبت من زوجها أن يأتي لها بخادمة، ولم يستطع ذلك، يجبره القاضي على ذلك، لأنها ليست بخادمة، وهي ليست ملزمة بإرضاع أولادها، ويجب عليه أن يأتيها بمرضعة إذا طلبت ذلكquot;.

اليوم، يؤكد شحادة أن المرأة لا تدرك حقوقها، أكانت مسلمة أم غير مسلمةquot;، ونتمنى عليها المطالبة بحقوقها قبل الزواج، فكل شرط لا يتعارض مع صلب الشريعة الإسلامية يمكن حله، وممكن أن تطلب المرأة وتشترط على زوجها عدم الزواج عليها، أو تأمين سكن مستقل.

رفض مجمل
يعترف شحادة بوقوف المشايخ ضد اتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة، المعروفة باتفاقية سيداو، التي رفضها مفتي الجمهورية اللبنانية، ويبرر ذلك بالقول: quot;لم نرفضها بشكل مجمل، فنحن لسنا ضد الاتفاقية لمجرد معارضة الاتفاقية، لكن هناك حساسية في الشرع، ولن يقبل أحد أن يمسّ به، فإذا كانت هناك مادة ما في هذه الاتفاقية تمسّ بالشريعة الإسلامية فستُرفض الاتفاقية بمجملها، بسبب هذه المادة، وإذا أزيل ما هو مختلف عليه، لا مشكلةquot;.

ويؤكد شحادة أن خطورة تلك الاتفاقية تكمن، بنظر مفتي الجمهورية اللبنانية، في إلغاء بعض أحكام الشريعة، واستبدالها بقوانين وضعية، تقوم على تجارب الدول الغربية، ما أثار حفيظة بعض المسلمين، خصوصًا اعتبار الزنى مشينًا على المرأة إلا إذا حصل بالإكراه. أما إذا حصل برضا الطرفين فيعتبر مشروعًا، ويبقى الأهم برأيه أن تكون كل الحقوق التي تطالب بها النساء ضمن الشريعة.

الحق لصاحب الحق
يوافق الشيخ جعفر فضل الله الشيخ شحادة الرأي، ويقول لـquot;إيلافquot;: quot;في المبدأ، على كل صاحب حق أن يأخذ حقه، وينبغي وضع القوانين، التي تكفل كل تلك الحقوق موضع التنفيذ من خلال سنّ القوانين من جهة، والسهر على تنفيذها من جهة أخرىquot;.

يضيف: quot;ثمة خلافات في الفلسفة التي تنظر إلى مسألة الحقوق، فالاتجاه الإسلامي لديه منظومة حقوق، ينظِّم من خلالها علاقة المرأة بالرجل، وكليهما في المجتمع، ومنظومة أخرى من خلال فلسفة أخرى تتمثل في المنظومة العلمانية، ومنظومات حقوقية أخرى تبعًا لاختلاف التيارات والاتجاهات المتنوعةquot;.

من الناحية الإسلامية، يقول فضل الله إن الإسلام وضع نظامًا للحقوق والواجبات مبنيًا على رؤيا تتصل بدور الإنسان في هذه الحياة، وهذه الرؤيا ترتكز على مبدأ العدالة وتوزيع الأدوار، وعلى مبدأ التعاون المشترك في سبيل نهضة الفرد والمجتمع على حد سواء.

وقد ترتكز في بعض تفاصيلها على طبيعة نظرة الإسلام إلى بعض الأمور في مسألة توزيع الثروة، وكذلك إدارة الأسرة، أو بعض الأمور المرتبطة بذلك. فينبغي ملاحظتها عند التحدث عن مبدأ المساواة أو العدالة، وهو الأساس.

يضيف: quot;إذا نظرنا إلى عمل المرأة اليوم، الذي يضيف إليها عبئًا على أعبائها الأخرى، نعتبر أنه أساسي، ينبغي أن تعطي من جهدها وعقلها لبناء المجتمع، لكن ألا يكون ذلك إضافة إلى تحميلها أعباء إضافية على مستوى الأسرة، وعلى مستوى تربية الأولاد، بحيث يستقيل الرجل من مسؤولياته كليًا في هذا الاتجاه، ويترك الثقل على المرأةquot;.

عن موقف القيادات الشيعية في لبنان من قضايا المرأة والموقف من المرأة التي ترفع صوتها مطالبة بحقوقها، يقول فضل الله: quot;إذا كانت الحقوق المقصودة في صلب النظام الحقوقي للمرأة، على المرأة أن تطالب به، وسوف تحصل عليه إذا لم يخالف الشرع والدينquot;.