كانت الأنباء تشي بصمود القصير طويلًا، مع قوافل قتلى حزب الله وأنباء الاختراقات، إلا أن المعركة انتهت بين ليلة وضحاها، ما أكد حصول اتفاق سري شاع خبره، بين المعارضة السورية وحزب الله، برعاية الرئيس نبيه بري.


بيروت: بعد عام من الحصار، وثلاثة أسابيع من الهجوم العسكري العنيف، خرجت القصير من سيطرة الجيش السوري الحر، وآلت الكلمة الفصل فيها لجيش النظام السوري ولحزب الله. وساد في بيروت شعوران متناقضان. ففي الضاحية الجنوبية للعاصمة، معقل حزب الله، وزّعت الحلوى ورفعت اللافتات المهنئة بما سمّته quot;النصر في القصيرquot; مرة، وquot;سقوط القصيرquot; مرّات.

وفي المناطق الأخرى، حيث الأكثرية المؤيدة للثورة، كان الشعور مزيجًا من النقمة على الحزب ومن الغضب من تراجع الجيش السوري الحر، وسط تساؤلات عن الأسباب التي أدت إلى هذا الانكفاء السريع بعد صمود وعناد في رد الهجمات المتتالية.

إتفاق سرّي

ما قد لا يعرفه العامة هو حصول اتفاق سري مساء الثلاثاء، بدأ تنفيذه فعليًا مع إخراج الجرحى والمدنيين من المدينة، قبل أن يستكمل بمسرحية ما قال عنه النظام السوري وحزب الله إنه الهجوم الشامل.

وقد علمت quot;إيلافquot; من مصادر متقاطعة أن الاتفاق جرى فعلًا من تحت الطاولة، بين الجيش السوري الحر عبر جورج صبرا، رئيس الائتلاف السوري المعارض بالإنابة، وحزب الله، وأن رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري كان عرّاب الاتفاق، الذي قضى بأن يفتح جيش النظام السوري ممرًا للجرحى والمدنيين تمهيدًا لإخلائهم، على أن ينسحب عناصر الجيش الحر ويخلوا مواقعهم في المدينة ليتسلمها النظام في وقت لاحق، وهكذا كان.

وتأتي هذه الأنباء بعد تواتر أخبار عن وساطة كان يقوم بها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بين المعارضة السورية وحزب الله، لإخراج المدنين والجرحى من القصير.

وفي وقت امتنعت أوساط الجيش الحر ومصادر بري عن تأكيد الخبر أو نفيه، إلا أن مراقبين في بيروت أشاروا إلى النداء الذي وجهه صبرا ظهر الثلاثاء إلى بري للتدخل وإنقاذ المدنيين في القصير، ورأوا في ذلك مؤشرًا قاطعًا الى صحة المعلومات.

شبه معدوم

قال وهبي قاطيشا، العميد المتقاعد ومستشار رئيس حزب القوات اللبنانية، إن الموضوع له تأثيران، داخلي سوري وآخر لبناني. وقال: quot;التأثير في الداخل السوري شبه معدوم على مسار الثورة السورية، لأن القصير بلدة صغيرة على الحدود، ولا تلعب دورًا إستراتيجيًا في الثورةquot;.

وأضاف: quot;يبدو أن حزب الله إستسهل الهدف، وقد طُلب منه تقديم الدعم لبشار الأسد كهدية، فلم يستطع، لذلك إستعان بالجيش السوري لرفع المعنويات كي يستطيع السيطرة على القصير، بعدما سقط فيها أكثر من 150 قتيلاً للحزبquot;.

لكن رأي العميد أمين حطيط مختلف، إذ اعتبر أن ما حصل في القصير quot;نقطة تحول رئيسية في مسار الأزمة، لأنه حرم المسلحين من محور إمداد وتجهيز أساسي، يعتمدون عليه للحصول على نحو 40 بالمئة من احتياجاتهم في المعركةquot;.

وتابع: quot;السيطرة على القصير حرمتهم من نقطة الربط والتوزع في الداخل السوري، كما أن الأمر له أهمية عسكرية كبيرة وأدى إلى إنهيار معنوي سينعكس على أداء المسلحين مستقبلًا على جبهات أخرى، بسبب انهيار العامل النفسيquot;.

الأخطر وفق حطيط quot;هو على الصعيد الإستراتيجي، quot;لأن السيطرة على القصير أحبطت الخطة الأميركية القائمة على تقسيم سوريا ولبنان، لأن الدولة السنية التي ستنشأ كانت ستمنحهم منفذًا على البحر، والمنفذ الذي كانوا يحضرون له شمال خط عرسال وطرابلس، وكانت ستقتطع لتضم للدولة السورية السنية، وبسقوط القصير أغلق هذا المنفذ نهائيًاquot;.

أمني واستراتيجي

وفي انعكاسات دخول حزب الله والجيش السوري إلى القصير على الداخل اللبناني سياسيًا وأمنيًا، رأى قاطيشا أن الخطورة تكمن في أن حزب الله تدخل عسكريًا في سوريا لقتل الشعب السوري، وكأنه يدعو الثورة السورية لمحاربته في لبنان، quot;والحزب يتوقع هذه الخطورة، فالتدابير التي اتخذها في الضاحية ومناطق نفوذه تعني أن سقوط القصير شكل دعوة مفتوحة للجيش الحر وغيره من فصائل الثورة السورية لمعاقبة حزب الله في الداخل اللبنانيquot;.

أما حطيط فرأى أن الانعكاس الداخلي مؤلف من شقين، quot;الاول أمني يترجم بتراجع العمليات الأمنية التي كانت تحصل في لبنان، لانها في الأصل كانت تحصل لخدمة أهداف تتعلق بمعركة القصير التي لم تعد موجودة، وبالتالي فإن سبب وجود هذه العمليات انتفى، والثاني استراتيجي، لأن دور لبنان كورقة في الأزمة السورية تعطل بعد سقوط القصيرquot;.

وتوقع حطيط تراجعًا في الاشتباكات في طرابلس. وقال: quot;نعرف أن الاشتباكات كانت تندلع عندما تصل باخرة سلاح تريد أن تفرغ حمولتها، وما إن ينتهي التفريغ والنقل إلى عكار تتوقف المعارك، لذلك عندما انتهت الإشتباكات في القصير وعرسال سيهدأ الوضع في طرابلسquot;.