بعد 9/11 أدركت الإنتلجينسيا العربية فشل مشروع التنوير العربي إدراكا حقيقيا، والذي استغرق طوره الأول وربما الأخير أطول فترة quot;طور نموquot; لتصور إنساني

على مر التاريخ، فبمجرد أن تعلم أن هذا الطور استغرق قرنين من الزمان فهذا كفيل لإثبات فشل هذا المشروع النهضوي الذي كان قد بدأ بداية فاعلة وقوية.

ففي الواقع وبشكل عام لم تكن هناك نهضة حقيقية على مستوى المجتمعات أو على مستوى النخب السياسية أو الدينية...الأمر الذي أدى إلى عرقلة نهوض الأمة العربية ككل.

فحتى محاولات النخب الفكرية والثقافية في اعتناق الآيدلوجيات المنتصرة والمتعاقبة لم يكن له أي أثر إيجابي ملموس، بل ربما كان مؤشر إفلاس فكري حقيقي يجسد مبدأ quot;هذا ربي.. هذا أكبرquot;.

تذكرت هذا التاريخ الكئيب لمشروع التنوير العربي حينما تمعنت قليلا في تجربة التنوير السعودي الوليدة والتي يمكن أن يتعرض لها أيا من المعوقات التي عرقلت التنوير العربي عبر تعاقب أجياله، لاسيما وأن تشابه الظروف والمعطيات والأدوات بين كلا المشروعين يمكن أن يعطي نتيجة متشابهة في حال تعثر المشروع السعودي.

لكن في ظل وجود كيان سياسي منفتح ومتزن يمكن أن يبث الأمان ويوفر بيئة ملائمة لنجاح التجربة.

إلا أن مخاوفي التشاؤمية لاتزال تروادني كلما نظرت عن كثب مسيرة التنوير السعودي، إذ إن هناك معوقات ربما من شأنها ثني المشروع عن تقدمه، فالإنتلجينسيا السعودية بكافة خلفياتها الفكرية والتي تتمثل في تيارين رئيسين الإسلامي والليبرالي قد تقع في المستنقع الذي غرقت به الإنتلجينسيا العربية من قبل، هذا إن لم يكن بعض أفرادها - النخبة السعودية - قد كان من ضمن الغرقى العرب آنذاك.


فلو لاحظنا التيارات المتصارعة في الساحة الفكرية السعودية بشكل عام نجد أنها تنحصر في التيارين السابقين، إلا أن هناك شيئا من التفصيل الدقيق الذي ربما لو أهمل لأحدث شيئا من عدم الدقة في وصف المشهد بشكل عام، إذ إنه وبشكل دقيق هناك أربعة تيارات متصارعة - إذا استثنينا الفكر التكفيري إذ لايوجد له تحرك علني على الساحة الفكرية المحلية - أربعة تيارات بعضها يقاتل على عدة جبهات والبعض الآخر براغماتيا لا تعنيه الأولويات الجامدة، فالإسلامي:هناك المنغلق وهناك المنفتح، كذلك الليبرالي:هناك المنفتح على التجارب الغربية بدون تحفظ وهناك المتحفظ نوعا ما، ولعل الأقرب إلى بعضيهما من بين كل الأطراف هما الإسلامي المنفتح والليبرالي المتحفظ.

حتى لا نذهب بعيدا أعود إلى المعوقات المتوقعة التي يمكن من خلالها تقويض المشروع بكامله، ولعل أهم المعوقات في هذه الفترة غياب الموضوعية، وتصفية الحسابات، وتحقيق المكاسب الشخصية، وتغليب المصلحة الخاصة، وحب الظهور والنجومية، وإهدار الوقت والجهد في قضايا تافهة انتصارا للذات وحسب، وبروز ثقافة الشللية، والنبرة الاستفزازية والاستعلائية، وبيع الأقلام في سوق النخاسة الثقافية، جميعها تجعل الحراك لايبدو نزيها ومشوبا بالغايات الشخصية، فالمتجاوز مثلا من أي من الأطراف يستحيل أن ينتقد من قبل خندقه انتقادا موضوعيا بحجة أنه محسوب على التيار..

وأيضا محاولات تأليب السلطة على تيار معين ولو بحجج واهية قد تجدها وتلمسها في الحراك السعودي فضلا عن التباهي بانتصار السلطة لطرف ضد آخر كما في قضية الشثري، إذ اعتبر التيار الليبرالي ذلك الموقف بأنه احراز هدف في مرمى الإسلاميين بغض النظر إن كان ذلك الهدف يحمل نشوة إقصائية من قبله أم لا.

والأهم من هذا كله هو - ربما - عدم وجود رغبة جادة في بذل النفس والإيمان المطلق بالفكرة وقابلية التضحية وهذا هو - باعتقادي - سر نجاح التنوير الغربي والذي افتقده التنوير العربي.

والمحبط بالنسبة لي وربما لدى الكثيرين من المتابعين، هو ممارسة هذه الأساليب والممارسات من قبل قامات فكرية وثقافية لها ثقلها في الحراك الفكري السعودي.

ولو سردنا معظم المعوقات لاحتجنا إلى سلسلة مقالات وليس إلى واحدا فحسب، ولكننا نستعرض الأبرز والأهم بالنسبة للجميع، وإذا ما تأملنا مصير المشروع في حالة عدم نجاته من هذه المعوقات، فنجد أن النتيجة مخيفة ومظلمة، فالفرد السعودي بحاجة إلى نخبة مفكرة حقيقية سامية تسعى لمصلحته وترسم له طريقا آمنا وتنتشله ومجتمعه من سرادق الجهل والظلام.