مرة أخرى و مع كل موسم عاشوراء تتجدد حكاية الجدل الفقهي و العلمي حول موضوع و ملف شلئك و متداخل إرتبطت معه العقيدة بالفكر بالإنحراف ببعض السلوكيات الغريبة لتشكل ملفا متصاعدا و متأزما وخصوصا خلال العقد ألأخير وهو ملف ( التطبير ) الجماعي في يوم عاشوراء أو في الذكرى السنوية لإستشهاد الإمام الحسين و أهل بيته عليهم السلام في كربلاء عام 61 هجرية، وممارسة التطبير من ألمور المستجدة و المستحدثة و التي لا علاقة لها أصلا بأية شعائر إسلامية أو بأية أمور عقيدية خاصة بالفكر الشيعي الذي هو في النهاية إجتهاد فكري و سياسي لا يخرج في إطاره العام عن الإسلام الحنيف، و الشيعة الأوائل الذين حملوا لواء المعارضة الفكرية و السياسية و تشبثوا بثوابت الدين و العدالة الإجتماعية و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لم يمارسوا أبدا تلك الشعائر المبتدعة و الغريبة، بل أنها ممارسات وفدت و طرأت على العقيدة الفقهية الشيعية نتيجة لمؤثرات خارجية و من خلال التلاقح مع أفكار و عقائد غنوصية و هندوسية و بوذية تؤمن بإيذاء النفس كوسيلة للتطهير و الإنعتاق وهي مسألة لا علاقة لها بالإسلام لا من قريب و لا من بعيد، وقد أستخدمت تلك الممارسات و الشعائر المستهجنة و الطارئة من قبل الأنظمة السياسية المتصارعة في المنطقة خلال القرنين الخامس و السادس عشر كغطاء لصراعات سياسسية و مصلحية وهو الأمر الذي لجأ إليه الصفويون في إيران خلال صراعهم الطويل و القاسي مع الدولة العثمانية! أي أنه صراع فارسي / تركي إرتدى وشاح الصراع الشيعي/ السني!! ولم يكن ذلك التوصيف المتأزم ليعبر أبدا عن حقيقة الخلاف الفكري الطبيعي بين الشيعة و السنة، فالسنة ليسوا فرقة واحدة كما أن الشيعة بدورهم ليسوا فرقة واحدة أيضا، فهنالك الإماميون الإثنا عشريون، و الزيديون، و الإسماعيليون، وفروع الإخباريون و الأصوليون في الفكر الجعفري!!

أي أن هنالك مساحات خلاف و إجتهاد مختلفة وواسعة لم تشكل يوما أساسا لحروب أهلية أو داخلية بل كانت تعبر فقط عن إختلاف في التفكير وفي طريقة الوصول لحقيقة الإيمان الكامل، وقد بدأت الطقوس الشيعية تأخذ مسارا مختلفا عن ما قصده الشيعة الأوائل الثائرين على الظلم و الإنحراف في القرن الرابع الهجري من قبل السلطنة البويهية الديلمية الفارسية التي كانت مهيمنة على الخلافة العباسية إعتبارا من عام 334 هجري و حتى عام 447 بعد نهاية العائلة البويهية وهيمنة السلاجقة على أمور و شؤون الخلافة العباسية المتدهورة التي دخلت منذ تلك الفترة مرحلة الإنحطاط و التردي المؤدية للسقوط النهائي وهو ما حصل على يد المغول عام 656 هجري 1258 ميلادي، لتدخل المنطقة برمتها في ظلام العصور الوسطى التي إستمرت طويلا و ما زلنا نعاني من مؤثراتها و إرهاصاتها حتى اليوم للأسف!!.

المهم إن ما بقي من ممارسات و شعائر مستهجنة ألبست لباس القداسة الزائدة هو ممارسة ( التطبير ) أي شج الرؤوس بالسيوف في مواكب جماعية على دق الطبول و بصيحات ثأر و لوعة و بمناظر مرعبة من الرؤوس الممزقة بالسيوف و السكاكين الحادة وهي المعروفة في العراق ( ضرب القامة ) و التي تتم عادة فجر يوم العاشر من محرم وحيث يتجمع القوم لمشاهدة تلك المواكب مع ما يتخلل ذلك من ممارسات و أفعال جاهلية تثير الرثاء و الأسف مثل حرص النسوة على الحصول على بقع الدم المتطاير للتلطخ بها و التبرك بها و تحقيق الأماني! كأمنية الإنجاب للعواقر من النساء! أو لتلطيخ الأطفال ببقع الدم من أجل البركة!!

وهي كما ترون ممارسات وحشية و مستهجنة لا علاقة للإسلام و لا لأي دين سماوي محترم بها، كما أنها مرفوضة بالقطع من الائمة و أهل بيت النبوة الذين كانوا عنوانا للكرامة البشرية و أعلاما للهدى و نماذج بارزة للرقي الحضاري، كما أن هنالك ممارسات أخرى تترافق مع التطبير و تكون مصاحبة له وهي ممارسة ( التسوط ) أي ضرب الظهر بالسلاسل الحادة التي تحمل شفرات حادة أيضا كما يفعل الباكستانيون أو الأفغان و بعض العراقيين، وقد شهدت في طفولتي تلك المناظر المفزعة و التي منعها نظام البعث السابق إعتبارا من عام 1977 وحيث إختفت من الوجود في الشارع العراقي قبل أن تعود بقوة و حرفنة و ( إقتدار ) مع الإحتلال الأمريكي عام 2003 وحيث شهدت تلك المواكب نموا و تطورا و شيوعا واضحا بحيث أنها أخضعت الدولة العراقية لها بالكامل و التي تخصص آلاف الجنود و الشرطة لحماية تلك المواكب في ظل حالة البطالة الكاملة لملايين الشباب العراقي و إنغماس الأحزاب الطائفية و الدينية في الحشد و التعبئة لأنصارها و محازبيها و سكوت الحوزة العلمية عن تلك الظاهرة و الممارسات المستهجنة التي رافقتها لكونها تضم جماعات وحشود بشرية كبيرة هي من أنصار المرجعية! رغم أن المرجعية الدينية العليا في إيران كانت قد حرمت تلك الطقوس إعتبارا من عام 1985 زمن الخميني الراحل و أعتبرها ممارسات غير ضرورية و ليست لها أي قدسية أو أساس ديني أو مذهبي و أكد الخميني وقتها على أن من أراد أن يسفك دمه في الشوارع فعليه التبرع بدمه لجبهات الحرب فذلك أفضل و أكثر فائدة!!

ومع ذلك التعليل الوجيه إلا أن البعض في إيران و منهم حماعة ( الشيرازي ) رفضوا الرأي الخميني ودخلوا في إشتباكات شوارع في مدينة ( قم ) مع الحرس الثوري كنت شاهدا شخصيا عليها حينذاك وحيث تمت موجة من الإعتقالات من حمامات مدينة قم لأولئك المصرين على ممارسة التطبير!!

أما في العراق فإن عددا كبيرا من علماء و فقهاء الطائفة الشيعية قد أفتوا بحرمة ( التطبير ) و مخالفته لأصول العقيدة الإسلامية التي لا تجيز إيذاء النفس بالمطلق و بغرابة تلك الممارسات المبتدعة إلا أنه للأسف تم تسييس الموضوع بالكامل كما حصل في العام الماضي حينما أفتى جماعة المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق بقدسية تلكم االشعائر المتخلفة و لأهداف حشد وتعبئة سياسية فقط لا غير و إستغلال البسطاء فيما يشوه الدين و المذهب و يبعده عن المقاصد السامية، فضلا عن التشويه و الضرر الكبير الذي تلحقه تلكم الممارسات بالإسلام و المذهب الإسلامي الشيعي على حد سواء.

الأميركان بدورهم وهم يتعرفون على العالم الإسلامي تصادف غزوهم للعراق عام 2003 مع موسم عاشوراء! و تعرفوا عن كثب على حالة الهستيريا التي كانت قائمة وقتذاك، ثم راقبوا نمو و تطور حفلات اللطم الشامل و التطبير و ضرب الزنجيل وهي تنمو بقوة خلال فترة إحتلالهم حتى أصدرت هيئة طبية أميركية مؤخرا تحذيراتها من العدوى الخطيرة التي تتسبب بها ممارسة ( التطبير )؟ بسبب تطاير الدماء لعيون و أفواه المشاهدين و الجمهور!!

كما حذرت الهيئة الطبية ألأميركية من الإستعمال المتكرر للسيوف في شج الرؤوس و فلق الهامات؟ لأن الفايروسات الناجمة عن الدماء لا تطهرها العديد من محاليل التطهير لمقاومتها الشديدة!! لذلك تنصح الهيئة الطبية الأميركية بضرورة إستعمال سيوف لإستعمال واحد فقط لا غير!! أي أشبه بأمواس الحلاقة ذات الإستعمال الواحد!! أي التطبير لمرة واحدة فقط وعدم إستعمال السيف الواحد لشق أكثر من رأس واحدة!!! و الحمدلله لهذه النصيحة الأميركية الطبية الغالية أي أن على كل مواطن مطبر أن يشتري سيفه الخاص ليشق به رأسه!! وذلك كما تعلمون مساهمة أميركية عظيمة في إعادة تعمير و بناء العراق!

و اليوم على المصانع الصينية تلبية و إستجابة الطلب الطبي الأمريكي و الإسراع بأنتاج سيوف و قامات لإستعمال واحد تحقق الأغراض و تطلق قطار التنمية و التحضر.. و يا أمة ضحكت من فضيحتها الأمم!!

[email protected]