اُثارتني المذكرات التي نشرها رئيس وزراء اقليم كردستان العراق برهم صالح في جريدة الشرق الاوسط اللندنية ورحت افتش كمواطن كردي عن الانجازات التي تحققت في ظل حكومته. فكان علي المقارنة بينها وبين الحكومة التي سبقتها بقيادة نيجرفان بارزاني.

وهدفنا من هذه المقارنة هو توضيح بعض الحقائق والحيلولة دون إختلاط الأمور على الاشخاص البعيدين عن تجربة إقليم كردستان الذين قد يقدرون خطأ، دور برهم فيما تنعم به كردستان اليوم من تقدم وتطور شمل مختلف مناحي الحياة.

على الصعيد الخدماتي، كان إقليم كردستان في السنوات السبع الماضية وتحديدا قبل تخصيص جزء من ميزانية الدولة العراقية البالغة 17% كحصة سنوية للإقليم، يعاني من العديد من الأزمات المستفحلة التي كانت تهدد حياة المواطنين وتنقض عليهم معيشتهم.

في مقدمة تلك الأزمات، أزمة الطاقة الكهربائية التي وصلت الى حد تهديد معيشة المواطنين، فكل مهنة وكل عمل مرتبط بالكهرباء بشكل أو بآخر، لذلك أولت حكومة الإقليم بتشكيلتها الخامسة برئاسة نيجيرفان بارزاني أكبر إهتماماتها بحل مشكلة الكهرباء، ونجحت فعلا في بناء محطة توليد للطاقة الكهربائية بقدرة 500 ميغاواط في أربيل رفعت أخيرا الى حوالي ألف ميغاواط، فيما شيدت محطة مماثلة في منطقة بازيان لتغطية حاجات محافظة السليمانية،ووضعت الخطط لبناء محطة خاصة أيضا بمحافظة دهوك، وبذلك خرج الإقليم من منظومة الكهرباء الوطنية التي كانت السلطات العراقية تستخدمها كورقة سياسية ضاغطة ضد الإقليم، ونجح نيجيرفان من إنتزاع هذه الورقة من يد الحكومة العراقية،وأن يحقق الإستقلالية للإقليم في هذا المجال الحيوي، فوصلت ساعات التجهيز في أواخر فترة رئاسته للحكومة الى الذروة بوصولها الى 22 ساعة يوميا، وكادت أن تنجح في التغذية على مدار 24 ساعة لولا تسليم الحكومة الى برهم صالح الذي عادت معه مشكلة الكهرباء من جديد ولو بشكل نسبي، فما زالت المولدات الأهلية تغطي جزءا من ساعات التجهيز بسبب توقف المحطات الحكومية.

كانت كردستان تعاني من أزمة خانقة في الوقود، وإستطاعت حكومة نيحيرفان من التغلب على تلك الأزمة بإجازة فتح المئات من محطات التعبئة التجارية والأهلية التي ساهمت بشكل كبير في توفير البنزين للإقليم، ومن جهة أخرى سعت حكومته وفي تحد شجاع للحكومة العراقية وسياساتها النفطية الخاطئة،بحفر عشرات الآبار النفطية وتوقيع العقود الرسمية مع العديد من الشركات العالمية، وإستطاع الإقليم في عهده من تصدير أول كميات من النفط الى الخارج، ولولا سياسات الحكومة العراقية لتحولت كردستان الى أحد المصدرين الرئيسيين للنفط العراقي الى الخارج، وبذلك التحدي إستطاع نيجيرفان أن يحقق إستقلالية الإقليم في التصرف بموارده الطبيعية، وهذت ما سيؤدي في المستقبل الى الإستقلال الإقتصادي للإقليم عن المركز.

أزمة السكن التي هي أزمة مستفحلة لا يد لحكومات الإقليم فيها، وهي أزمة متوارثة منذ عقود من السنين،ولكن حكومة نيجيرفان إستطاعت أن تعالج جزءا من هذه الأزمة الثقيلة من خلال بناء 1500 شقة سكنية تم توزيعها على الموظفين وذوي الدخل المحدود بالقرعة، فيما أجازت حكومته لعشرات الشركات العقارية المتخصصة ببناء الدور والقرى والمدن السكنية كجزء من حل للأزمة، وفعلا تمكنت هذه الشركات بفضل دعم حكومته من القيام بالعديد من مشاريع البناء والسكن مما خفف من حدة الأزمة الى درجة كبيرة وواضحة.

إستطاعت حكومة نيجيرفان بارزاني أن تستقطب المليارات من الدولارات كإستثمارات في مختلف المجالات الإقتصادية والتجارية والصناعية والزراعية، وبلغ حجم الإستثمارات في عهده أربعة عشر مليار دولار، ناهيك عن عقد إماراتي غير منجز حاليا يفوق عشرة مليارات دولار، وسن نيجيرفان قانونا إستثماريا قل نظيره في العديد من دول المنطقة ويقترب كثيرا من المعايير الأوروبية والعالمية من خلال تقديمه لتسهيلات شجعت مئات الشركات العالمية الى دخول سوق المنافسة الإستثمارية في كردستان.

لأول مرة في تاريخ الشعب الكردي إستطاع نيجيرفان بارزاني من بناء مطار دولي في كردستان أطل منها الإقليم على العالم الخارجي، وتوافدت الوفود ورؤوساء العديد من دول العالم الى الإقليم عبر هذا المطار، ليدشن نيجيرفان بذلك لمرحلة مهمة في تاريخ هذا الشعب وذلك عبر إقامة علاقات دبلوماسية متشعبة مع العديد من دول العالم.

كل هذه الأمور حققتها حكومة نيجيرفان بارزاني بفترات قياسية، في حين أننا لم نجد خلال السنة الأولى لعهد برهم صالح ولو مشروعا إستراتيجيا واحدا ينفذ في كردستان، أو حتى مخططا لها، فحتى مشاريع الإستثمار التي كانت تسير بوتيرة مضطردة في عهد نيجيرفان تلاشت تماما في عهد برهم بالنسبة لمحافظة أربيل على سبيل المثال، رغم أنها العاصمة الرسمية للاقليم التي يفترض أن تحظى بأكر قدر من الإستثمارات ومشاريع البناء والإعمار والتحديث..

من كل ذلك نستخلص بأن حكومة برهم تعيش حاليا على أمجاد حققتها الحكومة السابقة برئاسة نيجيرفان بارزاني، وأن معظم المشاريع التي تتحدث عنها حكومته وفي مختلف الوزارات إنما هي كانت مخططة أو مدرجة في خطط المشاريع بتلك الوزارات في عهد نيجيرفان، ولكن تنفيذها تأخر في عهده فإنتقلت الى حكومة برهم صالح.

وبناء على ذلك يحق لنا أن نتساءل عما قدمه برهم صالح طوال فترة رئاسته لحكومة الإقليم، وهو الذي يروج له حزبه بأنه أكثر الأشخاص كفاءة في الإتحاد الوطني الكردستاني، وتصوره مؤسساته الإعلامية الخاصة بأنه، رجل المرحلة.

[email protected]