تعيين علي العايد وزير دولة لشؤون الاعلام والإتصال قد تكون بداية موفقة لتفادي التصادم بين الحكومة ووسائل الاعلام في الأردن. وتشير القراءات إلى ان الوزير والديبلوماسي السابق رجل منفتح، يؤمن بالانتقاد البناء والرغبة باعتناق الاصلاحات المطلوبة للنهوض بالاعلام الاردني.

علينا ان نعترف أن دور الاعلام في الأردن شهد تراجعا في السنوات القليلة الماضية وحدث هذا في الوقت الذي تصاعد فيه دور الاعلام في العالم العربي وتيرة ونشاطا وانفاقا. هذه حالة من التناقض أثارت تساؤلات في صفوف المراقبين.

لماذا يحتاج الأردن لآلة اعلامية فاعلة?:
لا اريد الدخول في كليشهات مألوفة ومستهلكة عن أهمية الاعلام كسلاح العصر وأحد اذرع السياسة الخارجية للدول والتي شهدت السنوات الأخيرة طفرة اعلامية كبيرة في المنطقة العربية رافقها غزو اعلامي فضائي من واشنطن وموسكو ولندن وباريس. هذا الازدياد الكمي والنوعي المتعدد الأوجه جعل من الصعب للغاية ان لم يكن المستحيل على الحكومات أن تتحكم وتسيطرعلى هذا المارد. ولكن أريد الخوض قليللا في التحليل السياسي لأبرر حاجة الأردن لاعلام قوي داخليا وخارجيا يتمتع بالكفاءة والمهنية.
الأردن لاسباب تاريخية وسياسية على المستويين الدولي والاقليمي لعب ويلعب دورا محوريا في منطقة الشرق الأوسط ما وضعه في عين العاصفة. فمنذ تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية لا بد من القول ان حكمة الملك الراحل الحسين بن طلال وحنكة ومهارة نجله الملك عبدالله الثاني أنقذت الأردن من كوارث ومؤامرات كادت ان تحرق الأخضر واليابس. ما عليك الا ان تنظر الى الصومال والعراق واليمن والسودان لتأخذ صورة عن الفكرة.

مهارة ملوك الأردن الديبلوماسية الدقيقة التي تراعي توازنات المنطقة الحساسة وموازين القوى الدولية والاقليمية والقراءة الحريصة للتغييرات الجيو سياسية نجحت في تفادي المخاطر والعواصف الكارثية وقادته الى شاطيء الأمان.

المؤامرات لتقويض استقرار الأردن لا تأتي فقط عبر الحدود الجغرافية بل تأتي أيضا عبر الاعلام الفضائي والالكتروني العنكبوتي وغيرها من وسائل الاعلام والاتصال الحديثة. المعارك الحديثة يديرها المتعاركون من استوديوهات قنوات فضائية ومن مواقع الكترونية ذات اجندات خطيرة. وفي هذا الاطار تعرض الأردن لحملة اعلامية شرسة هدفت لتشويه صورته والتشكيك بدوره السياسي في المنطقة وخلق البلبلة وربما لتحقيق نوع من الانتقام لحساب قوى اقليمية فاشلة ومستاءة من دور الأردن الرائد.
مما لا شك فيه ان منطقة الشرق الأوسط لا تزال بؤرة أزمات ومفاجئات ومتغيرات وهي منطقة ملتهبة سياسيا وهذه الديناميكيات كان لها تأثير كبير على الأردن وموقعه المركزي في المنطقة حيث يجد نفسه بين الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية غربا والاحتلال الأميركي الايراني للعراق شرقا. ناهيك عن حركات التشدد والارهاب التي تتستر بغطاء ديني لزعزعة أمن واستقرار الأردن من خلال استقطاب الشارع لأجندتها التخريبية. وهذه الأخيرة تستعمل وسائل الاعلام الحديثة لغسل ادمغة الشباب وتسويق الافكار الارهابية. كل ما سبق يؤكد الحاجة لاعلام يتميز بالكفاءة المهنية.
التعامل الاعلامي الأردني مع الأزمات:

أزمة رقم 1
في صيف عام 2008 تفجرت ازمة بيع الاراضي وتسارع الاعلام للتضخيم والتنظير قبل التحقق من التفاصيل والتدقيق لدرجة ان الملك عبدالله الثاني وجد نفسه مضطرا لانتقاد التقارير والمقالات في الاعلام الرسمي وغير الرسمي ومن المفترض ان الاعلام المسؤول ان يبقى بعيدا عن الشائعات والتشويهات بتقصي الحقائق قبل نشر نصف قصة او كالمطعم الذي يقدم وجبة نصف مطبوخة. ولكي يستطيع الاعلام القيام بدوره بطريقة فعالة كان يتعين على الحكومة في ذلك الوقت ان تتعامل مع القضية بسرعة وبشفافية قبل ان يخوض الاعلام في بحر التكهنات والتفسيرات التي اكتسبت طابع المؤامرة. ففي هذا المثال التقصير كان مزدوجا.

أزمة رقم 2:
هيكل
ظهر علينا في مارس آذار 2009 الصحفي المصري المخضرم محمد حسنين هيكل بمنولوجات يتميز بها حكواتي رمضان في ازقة دمشق وعرض اوراقه ووثائقه كأدلة على تزييف التاريخ حسب ما يمليه المزاج والبوصلة السياسية للاساءة للأردن وملوكه. كان رد فعل الصحافة الأردنية توجيه الشتائم للرجل وللقناة الفضائية التي منحته منبرا اعلاميا لتسويق كلامه.. وسائل الإعلام في الأردن تحركت عشوائيا ولم ترتق للمستوى المهني المطلوب في مواجهة ترهات هيكل. علينا الاقرار ان الجزيرة تصرفت بمهنية لفسحها المجال لجانب الأردني للرد على هيكل. وتركت المهمة لزيد الرفاعي رئيس مجلس الأعيان الأردني ليضحدها بوثائق تاريخية ورسائل ومعلومات موثقة في برنامج خاص على الجزيرة بتاريخ 28 مارس آذار 2009. استطاع الرفاعي بمهارة وهدء ان يفند الاكاذيب والافتراءات ويصحح الصورة الخاطئة التي رسمها هيكل.
ويجب القول ان الأردن ليس معنيا ان ينتفض كلما فتح هيكل فمه الكبير من على منبر الجزيرة لأنه ادان نفسه من خلال اقواله وانكشفت ألاعيبه.
أزمات طازجة 3 و4
مؤخرا فوجئنا بقصتين الأولى قصة التشويش الفضائي على قناة الجزيرة الرياضية والتي تزعم ان موقع ما في الأردن هو مصدر التشويش. تحرك الأردن اعلاميا بالرفض والادانة ولكن اصرار الحكومة على اثباتات وخرائط والتعهد بالتحقيق في موضوع التشويش كان عين الصواب.
والثانية قصة فتح معسكرات تدريب للقوات اللبنانية التي يقودها سمير جعجع. نحن نعرف انها اتهامات باطلة ومفبركة لخدمة اجندة معسكر الممانعة الكلامية والصمود الشفهي ونضال الاعلام الفضائي. قصص من هذا النوع تتطلب تنسيق افضل بين الحكومة وبين آلة الاعلام. هذه الآلة يجب ان لا تقتصر على الصحف الرسمية والنشرات الاخبارية المتلفزة بل ايضا على مكاتب الاعلام الأردني في مختلف عواصم العالم لكي تتصدى لما تنشره الصحف في تلك البلدان وتقوم باصدار بيانات تنفي صحة الخبر.
ليس سرا أن الاردن مستهدف لأنه يقف عقبة امام مشاريع وارهاب الفوضى، وأمام مشاريع الامارت الطالبانية والانقسامات المذهبية والطائفية ناهيك عن استراتيجيات العقم والعبثية والعدمية.

المطلوب خطة اعلامية على المستوى الخارجي:
المطلوب الآن هو وضع خطة استراتيجية للاعوام الاربعة او الخمسة المقبلة تشمل اعلام قادر على اشهار صورة الوطن الحضارية وانجازاته وتتناول قضاياه. اعلام يشرح الموقف الأردني ازاء العملية السلمية المتعثرة والدعم الأردني اللامحدود للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني لتحقيق هدفه بدولة مستقلة قابلة للحياة على اراضيه التي تحتلها اسرائيل. المطلوب خطة اعلامية فاعلة ذات كفاءة عالية للتعامل مع التحديات الديبلوماسية التي تعصف بالمنطقة. تفعيل وتنشيط المكاتب الاعلامية التابعة للسفارات الأردنية في عواصم العالم الهامة من خلال كوادر كفؤة قادرة على مخاطبة الصحافة والتلفاز بلغات مختلفة لا سيما اللغة الانجليزية. باختصار يريد الأردن اعلام قادر على تصحيح الصورة وفضح التشويهات المغرضة والاجندات العدائية له.

كما يجب أن يتم التنسيق ما بين الدوائر الحكومية ووسائل الاعلام وتوفير التفاصيل الكافية عن أي قرارات حكومية للبعثات الأردنية في الخارج لكي تتمكن من القيام بواجبها في شرح موقف الأردن وتصحيح اي تشويهات او مغالطات مقصودة او غير مقصودة.

أوائل هذا الشهر تحدث الوزير العايد عن قوانين ناظمة للعلاقة بين الحكومة وبين السلطة الرابعة وعن توفير الموارد المالية والكفاءات والخبرات للنهوض بالاعلام الأردني ووضع خطة لكيفية التعامل مع الاعلام. و ما أعلنه العايد من أن الأردن انهى احتكار الدولة لوسائل الاعلام وأنه سيتم منح رخص البث الاذاعي والتلفزيوني وفتح المجال امام المستثمرين واستعداد الحكومة لتقديم التسهيلات اللازمة ما هو إلا خطوة ايجابية في الاتجاه الصحيح.

في نهاية المطاف وباختصار فإن الأردن بحاجة لاعلام خارجي يعكس حقيقة الدور الأردني على كافة المستويات والصورة الايجابية لهذا البلد المعتدل بسياساته، والتي كثيرا ما ظلم ويظلم لعدم ايصال صوته وإبراز انجازاته ومواقفه.

كل ما ورد أعلاه لا يعني انه لا يوجد مهنية واحترافية عالية المستوى في الصحف اليومية الرئيسية والفضائية الأردنية وبعض المواقع الاليكترونية المسؤولة حيث تمارس المهنة الاعلامية بشكل جيد وتمارس الرقابة على الحكومة، لكن المطلوب دور اعلامي خارجي.