مازالت الدنيا قائمة ولم تجلس بسبب خبر اكتشاف مؤامرة ايران لقتل السفير السعودي في واشنطن،الاكيد ان الدنيا ستجلس بعد ايام قليلة وسيكون الخبر في طي النسيان بعد ان تستنفذ كل المقاصد التي كانت واجبة لانطلاقه. ومن باب المقارنة والتذكير.. اين المبحوح واين السبعين عميل استخباري اسرائيلي الذين اشتركوا بقتله ؟ الجواب بسيط جدا ان الجميع والخبر والمبحوح معهم في طي النسيان، اما لماذا وكيف فتلك وحدها مصيبة لامجال لتداولها هنا. وبالرجوع الى خبر السفير السعودي فان المنطق بحاجة الى مبررات ومحفزات ووقائق حتى تكون الامور في نصابها الصحيح.

ايران دولة تدافع بعناد عملي كبير عن مصالحها القريبة والبعيدة وتسخر كل الامكانيات الذاتيه والخارجية والاقليمية والمحلية لاجل تحقيق اهدافها وخاصة في موضوع الملف النووي، ويبدو حتى هذه اللحظة ان ايران في الطريق الصحيح لتحقيق اهدافها تلك والخلل هنا ليس بايران التي تبحث عم مصالحها بل الخلل الواضح بالدول العربية التي تشاطر ايران هذا الاقليم الملتهب و لاتعرف ماتريد وان عرفت بالصدفة فانها لاتعرف كيف تخطط وكيف تعمل وكيف تصل لاهدافها.

يجب الاعتراف ان ايران تجيد اللعب رغم الحصار والقطيعة الغربية معها، لكن اللعب الذي تجيده ايران ونفتقده نحن العرب انه نوع من اللعب مع الكبار وبسياسات متقنة ولاهداف ستراتجية كبرى وواضحة، والسبب في ذلك ان ايران تفهم الامور وتجيد القراءة الدولية والسياسية وتارة تتفاعل معها واخرى تسبب لخصومها نوع من الصداع المثمر الذي تسخرها لمصالحها الايرانية والامثلة حول ذلك كثيرة ومتعددة. لذلك خبر مثل خبر محاولة قتل السفير الجبير بحاجة الى تأني وحكمة كبيرين قبل اطلاق الاحكام المسبقة، فمقتل السفير ان حدث ماهي فوائده الستراتجية لايران ؟ بل حتى ما مستوى الفائدة على المدى القريب او البعيد وبحدودها الدنيا ؟ مع التذكير ان السفير الجبير ليس لديه من الامكانيات والصلاحيات التي كان يملكها السفير السعودي السابق في واشنطن الامير بندر! فكان الاجدر ان يتم استهداف الامير بندر وهو اكثر تاثير وقوة في منصبه السابق حينها وايضا كونه ينتمي الى العائلة الحاكمة في السعودية عكس الجبير الذي لايملك هذه الصفات المهمة !؟

ايران لم تفعلها وهي تواجه اصعب الظروف واعتاها ايام الحرب مع العراق وكان الدعم السعودي والخليجي والغربي لنظام صدام في اعلى مستوياته التاريخية وبشكل غير مسبوق، فلماذا تفعلها الان !؟ واغلب ظروف المنطقة تجري لصالح ايران وليس ضدها كما يتصور البعض؟ ومن جانب اخر وصل التواضع والفقر الفكري عند البعض بان يصرح بان اجنحة استخبارية ايرانية قد تعمل منفردة بمعزل عن القيادة والحكومة الايرانية وقد تكون بادرت الى التخطيط لقتل السفير السعودي وتفجير مطعم مدني وسط واشنطن دون علم القيادة!

هذه قراءة فقيرة وتواضع يضاف الى التواضع العربي الاعلامي والسياسي في قراءة الواقع الاقليمي والدولي، لان الاجهزة الايرانية متماسكة وتعمل وفق اهداف وخطط وأليات مبرمجة مسبقا.وهل ايران وهي تخطط وايران وهي تقتل السفير الجبير لاتقدر النتائج الكارثية مع الغرب والعرب !؟او انها تستخف بقدرات الاستخبارت الامريكية على كشف خطوط الجريمة ان وقعت !؟ايران تقدر قوة الغرب لكنها لاتذهب لحدود المواجهة المباشرة و تلعب على اوتار تناقضاته وفخاخ العراق وافغانستان ونتائج الثورات العربية والازمة الاقتصادية العالمية وهذا يسجل لها وليس عليها، وايران تعرف ضعف العرب لكنها لاتفكر بالمواجهة المباشرة لانها تعي جيدا حقائق التاريخ والجغرافية وايضا حقائق السياسة الدولية التي لن تصب لصالحها ان حدثت هذه المواجهة لاسامح الله. بقي على العرب ان يعوا جيدا ان ايران ليس اسرائيل بل هي دولة تعمل لمصالحها بقوة وجدية دون مجاملة لذلك علينا تصليح الخلل في بوصلتنا العربية.

ومن الواضح ان هناك خيوط مازالت مفقودة في الموضوع وان صفحات مهمة مازالت غير مفتوحة في الوقت الحالي. وان توقيت انطلاق هذا الخبر الخطير بحاجة الى دراسة عميقة وجوهرية تبحث في جدوى ومبررات الزمان والمكان، فاذا كان بعض العرب وحتى هذه اللحظة لايعترف ان القاعدة وبن لادن هم ابطال العمل الارهابي في نيويورك رغم اعترافات الاخير وفريقه ووثائقهم وافلامهم المنشورة، فلماذا يستعجل هذا البعض بالتنديد والتصريح او وضع خطوط حمراء لايملك ادواتها اصلا او حتى القلم الاحمر نفسه كما فعلت الاردن في تصريح وزير خارجيتها.

لذلك الامور بحاجة الى تأني وحكمة فان صدق الخبر فتلك كارثة لها نتائجها الكبرى وان عجز الخبر ان يكون جزء من الواقع فان تلك كارثة اخرى واكبر من الاولى لاننا حينها نكون قد تحولنا افراد ومجتمعات وحكومات ودول مجرد بيادق وحجر يتلاعب بنا الاخرون متى ماشاءوا ورغبوا وتلك المصيبة نفسها.

محمد الوادي